القائمة الرئيسية

الصفحات

طرق ووسائل التنفيذ في المادة الإجتماعية

وسائل التنفيذ في المادة الإجتماعية

طرق ووسائل التنفيذ في المادة الإجتماعية


إن تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية لهدف يسعى كل من يلجأ إلى القضاء، والوسيلة التي تترجم هذه الأحكام وهذه القرارات إلى الواقع الملموس لتبدو جلية للعموم، وليضع حدا للتسويف ومماطلة المدين في الوفاء بالتزاماته ولو باللجوء إلى نزع ملكية أمواله وبيعها بالمزاد العلني، أو باللجوء إلى الغرامة التهديدية، أو الإكراه البدني.


ويعتبر التنفيذ المباشر الصورة الغالبة بالنسبة للمطالب التي يتقدم بها الأجراء وعادة لا تنصب فقط على استيفاء مبالغ مالية بقدر ما تهدف التوصل إلى تحقيق وضعية معينة أو الحصول على امتياز عيني يخوله المشرع لأجراء، وإذا كان هذا التنفيذ ممكنا غير أن المدين لم يفي بالتزامه، فإنه يمكن للدائن اللجوء إلى السلطة العامة من أجل إجبار المدين علة الوفاء بالإلتزام، وذلك من خلال المطالبة بتطبيق مجموعة من الوسائل القهرية لدفع المدين إلى التنفيذ، كالإكراه البدني والإكراه المالي  غير أنه إذا كان محل الإلتزام مبلغا ماليا فإنه يمكن للدائن الإلتجاء إلى التنفيذ غير المباشر، وذلك بحجز أموال الدائن وبيعها في المزاد العلني واستفاء حقه منها.


ومن خلال ما سبق نحاول تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين نخصص أولهما إلى طرق التنفيذ في المادة الإجتماعية والثاني لوسائل حمل المدين على تنفيذ الأحكام.



المبحث الأول: طرق التنفيذ في المادة الإجتماعية


متى حصل المحكوم له على سند تنفيذي حامل للصيغة التنفيذية ورفض المدين تنفيذه بمحض إرادته ودون التدخل من السلطة العامة لإجباره عليه، جاز للدائن أن يبادر إلى تحريك مسطرة التنفيذ الجبري وذلك بتقديم طلبه إلى السلطة المكلفة بالتنفيذ، التي تعمل على إجباري المدين على تنفيذ ما تضمنه السند التنفيذي.


والتنفيذ الجبري قد يكون مباشر ويكون كذلك حينما يهدف إلى تحقيق عين ما أمر به الحكم القضائي، ويكون محل التنفيذ فيه إما القيام بعمل أو الإمتناع عن عمل، وقد يكون التنفيذ الجبري غير المباشر، وذلك من خلال تحقيق ما أمر به الحكم عن طريق الحجز على أموال المحكوم عليه ثم بيع تلك الأموال وتحويلها إلى نقود تسلم إلى الدائن المحكوم له.


غير أن إجراء التنفيذ الجبري يستلزم أن يكون مسبقا بما يسميه الفقه مقدمات التنفيذ وسميت كذلك لأنها لا تعتبر من إجراءاته، ويترتب على ذلك أن أجل الطعن يمنع من السعي لها، كما أن صدور الحكم النهائي لا يغني عن هذه المقدمات والتي ينبغي دائما القيام بها قبل إجراءات التنفيذ وإلا كان هذا الأخير باطلا.


وعليه سنحاول التطرق لكل من مقدمات التنفيذ ( المطلب الأول ) والتنفيذ العيني في المادة الإجتماعية ( المطلب الثاني ) ثم الحجز في المادة الإجتماعية ( المطلب الثاني ).


المطلب الأول : مقدمات التنفيذ


إن كل من يرغب في مباشرة إجراءات التنفيذ يكون ملزما بتقديم طلب بذلك إلى السلطة المكلفة بالتنفيذ مؤدى عنه الرسوم القضائية، غير أن تمتيع الأجراء وذوي حقوقهم بالمساعدة القضائية عملا بمقتضيات الفصل 273 من قانون المسطرة المدنية يعتبر سببا كافيا لإعفائهم من هذا الإجراء.


كما يجب على المحكوم له أن يثبت في بعض الحالات عدم الطعن بالتعرض أو الإستئناف، ذلك أنه إذا كان المشرع قد منع الأحكام الصادرة في المادة الإجتماعية بالنفاد المعجل حسب الفصل 285 من ق م م الذي يعفي الأجراء من هذا الإجراء، فإن التفسير الذي أعطي للمصطلح " عقود الشغل والتدريب المهني " الواردة في هذا الفصل أخرج التعويضات التي يستحقها الأجير بسب فصل تعسفي.


وقد جاء في أحد الأحكام " حيث يتعين شمول الحكم بالنفاذ المعجل بخصوص التعويض عن العطلة السنوية الأخيرة فقط لكونها ناتجة عن عقد الشغل وتندرج ضمن مشمولات الفصل 285 من ق م م.


وحيث أن باقي التعويضات الناتجة عن إنهاء عقد الشغل يتعين عدم شمولها بالنفاذ المعجل لكونها ليست نابعة من طلب عقد الشغل ولا تنفيذا لمقتضياته بل ناتجة عن العمل غير المشروع الصادر عن الشغل والمتمثل في التعسف في استعمال حق الإنهاء الإنفرادي لعقد الشغل غير محدد المدة ".


وبالتالي فمن كان من الأجراء مالك لحكم متعلق بالتعويض عن الفصل التعسفي ويرغب في المطالبة بتنفيذه سيكون ملزما بتقديم شهادة تثبت عدم الطعن فيه بالتعرض والإستئناف ما لم يستفد من التنفيذ المعجل القضائي.


وبعد هذا يقوم عون التنفيذ بتبليغ الحكم أو القرار المنفذ عليه مرفقا بإعذار، وهو عبارة عن نموذج يتم ملئه من طرفه ويضمن بالعبارات الواردة في الفصل 440 من ق م م، أي إعذاره بأن يفي بما قضى به الحكم حالا أو بتعريفه بنواياه وذلك خلال أجل عشرة أيام من تاريخ تقديم طلب التنفيذ.


أداء كما أنه وإعمالا لمقتضيات الفصل 444 من ق م م فإن التنفيذ قد يكون معلقا على أدا يمين أو تقديم ضمانات، وهذا الأمر يحول دون التنفيذ إلا إذا تم إثبات القيام بذلك.


المطلب الثاني : التنفيذ العيني في المادة الإجتماعية


التنفيذ العيني أو المباشر هو التنفيذ الذي بمقتضاه يحصل الدائن على عين ما التزم به المدين أيا كان محله وموضوعه، ويكون في الغالب إما القيام بعمل أو الإمتناع عن عمل.


وبالتنفيذ العيني المباشر يصل الدائن إلى استيفاء حقه بالحصول عليه مباشرة، وحتى لا يكون في ذلك مساس بحرية المدين يلجأ إلى الإكراه المالي لحمله على الوفاء عينا فإن لم يجد ذلك تحول الإلتزام إلى تعويض يحدده القضاء.


غير أن مباشرة التنفيذ العيني تستلزم تحقق مجموعة من الشروط في مقدمتها أن يكون التنفيذ العيني ممكنا وهذا الأخير يرتبط بطبيعة الإلتزام ومداه والوسائل المادية اللازمة لهذا التنفيذ، ومن الشروط كذلك أن يطلب المدين التنفيذ العيني، ويجب أن لا يكون في التنفيذ العيني إرهاق للمحكوم عليه، ويكون كذلك إذا لحق بالمحكوم عليه خسائر جسيمة وفادحة.


ولعل من أهم صور التنفيذ العيني في المادة الإجتماعية هي تسليم شهادة العمل وذلك بمناسبة إنهاء العلاقة الشغلية، وإرجاع الأجير إلى عمله وذلك بسبب التعسف في إنهاء عقد الشغل.


فالإختيار في تسليم شهادة الشغل غير ذي موضوع، إذ يكون لزاما على المشغل تسليمها وإلا أصبح معرضا للتعويض ، فشهادة الشغل تسلم وجوبا عند إنتهاء عقد الشغل، وداخل أجل أقصاه ثمانية أيام دون التفريق بين العقود سواء كانت محددة أو غير محددة المدة.


وقد نصت المادة 72 من م ش في فقرتها الأولى " يجب على المشغل عند انتهاء عقد الشغل تحت طائلة أداء تعويض أن يسلم الأجير شهادة أجل أقصاه ثمانية أيام " وإذا امتنع المشغل عن التنفيذ فإنه وإعمالا لمقتضيات الفصل 448 من ق م م يمكن للأجير أن يطلب من المحكمة إلزام المشغل وذلك بفرض غرامات تهديدية كما له أن يطلب بالتعويض عن الضرر الذي أصابه، وعند استمرار المشغل في التماطل والإمتناع عن تسليم شهادة الشغل فإنه لا يبقى أمام الأجير إلا المطالبة بالتعويض عن هذا الإمتناع إعمالا لمقتضيات المادة 72 من مدونة الشغل.


وإن كانت المقالات التي يرفعها الأجراء بهذا الخصوص إلى المحكمة تكون غير واضحة فيما يرجع إلى تاريخ استحقاقها وغير ثابتة فيما يخص امتناع المؤاجر عن تسليمها، مما يتعذر معه على المحكمة الإستجابة لتلك الطلبات.


أما بخصوص الإرجاع إلى العمل كنتيجة للفصل التعسفي وصورة من صور التنفيذ العيني في المادة الإجتماعية، فلما يراه المشغلون في هذا الإرجاع من زعزعة لسلطاتهم ومسا بهيبتهم داخل المؤسسة فإنهم غالبا ما يرفضون تطبيق الحكم القاضي بالإرجاع ويفضلون أداء تعويضات لأجير على القيام بذلك


المطلب الثالث : الحجز في المادة الإجتماعية


الأصل أن المدين يكون ملتزما بتنفيذ ما ألتزم به عينا إذا توفرت شروطه، أما في الحالة التي يتخلف فيها شرط من هذه الشروط أو جميعها - وهو ما يقع في الغالب - فإنه لا مفر من اللجوء إلى تنفيذ الحكم القضائي بطريقة التعويض وذلك بنزع الأشياء المملوكة من يد المحكوم عليه والتي قد تكون عقارات أو منقولات وبيعها عن طريق المزاد العلني وتمكين المحكوم له من ثمنها.


ويعتبر الحجز أهم الوسائل وأنجعها في تنفيذ الأحكام القضائية، وإن التنفيذ بنوعيه الوارد على المنقولات والعقارات والحجز لدى الغير هما الضمانة الأساسية لتمكين المنفذ له مما حكم له به من حقه.


والحجز إذا هو وضع أموال المدين تحت يد القضاء حتى لا يتمكن المدين من التصرف فيها تصرفا يضر بالدائن وذلك تمهيدا لنزع ملكيتها واستيفاء الدائن لحقه منها.


ورغبة من المشرع في محاولة التوفيق بين المصالح المتضادة لطرفي التنفيذ، وذلك من خلال تمكين الدائن من حقه في أحسن الظروف، وكذلك حماية المنفذ عليه والإبقاء على بعض الأموال الخاصة به لتمكينه من الإستمرار في مواجهة متطلبات العيش حيث نص في الفصل 458 من ق م م " لا تقبل الحجز علة الأشياء التالية:


  1. أفرشة النوم والملابس وأواني الطبخ اللازمة للمحجوز عليه ولعائلته..
  2. الكتب والأدوات اللازمة لمهنة المحجوز عليه... "

ويقصد بالأدوات اللازمة لمهنة المحجوز عليه تلك الأدوات البسيطة اليدوية التي يحتاج إليها المهني أو الحرفي البسيط، وإن الآلات والمعدات الصناعية الكبيرة والمتوسطة لا يمكن أن تدخل في عدد الأشياء البسيطة الغير القابلة للحجز.


وقد أقر المشرع المصري بدوره هذه الحماية من خلال الفصل 306 من قانون المرافعات الجديد الذي جاء فيه " لا يجوز الحجز على الأشياء الآتية... ما يلزم المدين من كتب وأدوات ومهمات لمزاولة مهنته أو حرفته بنفسه " ويقصد بهذه الأشياء ما يلزم المدين من كتب وأدوات ومهمات لمزاولة مهنته، وعلى ذلك لا يجوز الحجز على مكتب المحامي والأدوات الطبية للأطباء، وكذلك مستلزمات الحرفيين كأدوات النجارة والبناء.


ورغبة من المشرع في توفير حماية أشمل للأجراء متع ديونهم بحق الإمتياز طبقا لمقتضيات المادة 1248 من قانون الالتزامات والعقود، فإن ديون الأجراء تحتل المرتبة الرابعة، غير أنه ولضعف هذا المقتضى، فقد تدخل المشرع من خلال المادة 382 من مدونة الشغل وأصبحت ديونهم تأتي في المرتبة الأولى.


غير أنه ورغم أهمية هذه المقتضيات فإنها لا ترقى إلى المطلوب مادام هذا الإمتياز في مجمله لا ينصب إلا على منقولات المدين دون عقاراته، وهذا من شأنه أن يضيق من نطاق الضمانات المتاحة للأجراء .


بالإضافة إلى ما سبق فإنه ولما يؤديه الأجير والتعويضات التي يحصل عليها الأجير بمناسبة عمله من دور معيشي في حياة الأجير، تدخل المشرع من خلال مدونة الشغل وخاصة المادة 387 وما يليها وحدد نسبا لا يجب تجاوزها عند الرغبة في إجراء حجز على مستحقات أي أجير.


كما منع المشرع المصري الحجز على ما يستحقه العمال الخاضعون لقانون العمل من أجور أو تعويض عن مهلة الإنذار أو مكافأة نهاية الخدمة بموجب المادة 52 من قانون العمل، ولا يجوز الحجز على مستحقات العمل الخاضعين لقانون العمل إلا في حدود الربع في وفاء لدين نفقة أيا كان نوعه، أو لدين مستحق عن توريد مأكل أو ملبس العامل ومن يعوله، وعند التزاحم يفضل دين النفقة.


المبحث الثاني : وسائل حمل المدين على تنفيذ الأحكام


إذا كان من المنتظر أن الأحكام الصادرة عن المحاكم والحائزة لقوة الشيء المقضي به والحاملة لصيغة التنفيذ أن يتم تنفيذها من طرف من صدرت في مواجهتهم، فإنه من الناحية العملية قليلا ما نجد المحكوم عليه يمثل لما قضت به المحكمة، إذ غالبا ما يلجئ إلى خلق عراقيل وإشكالات من أجل تفادي التنفيذ، بل إنه يعمد أحيانا إلى الإمتناع وبشكل صريح.



وإذا كان المشرع قد أتاح للدائن في الإلتزامات التي يمكن تنفيذها دون تدخل شخصي من المدين العديد من التقنيات حيث يمكن الوصول إلى تنفيذها شخصيا من الدائن وعلى نفقة المدين أو اللجوء إلى الحجز، فإن هناك التزامات لا يمكن تنفيذها من غير التدخل الشخصي للمدين، أو تنفيذها على ذلك الشكل سيكون غير ملازم.


يستلزم اللجوء على وسائل إكراهية من شأنها دفع المدين إلى المشاركة في التنفيذ فهذه الوسائل ليست بوسائل تنفيذية وإنما هي وسائل ممهدة للتنفيذ هدفها إرغام المدين على التنفيذ، وبذلك فهي وسائل غير مباشرة للتنفيذ، فإذا تعلق محل الإلتزام بأداء مبلغ مالي ولم يكن من الممكن اللجوء إلى الحجز، أمكن إرغام المدين على الدفع باللجوء إلى مسطرة الإكراه البدني.


وإذا تعلق الأمر بامتناع عن عمل وكان تدخل المدين في التنفيذ ضروريا أمكن اللجوء إلى الغرامة التهديدية، بالإضافة إلى ذلك هناك حالات خاصة كما هو الأمر في إطار حوادث الشغل والأمراض المهنية تدخل المشرع بشكل مباشر ونص على غرامة إجبارية تفرض عند كل تأخر عن أداء التعويضات المستحقة للأجير وذوي حقوقه.


وسنحاول معالجة هذه الوسائل ومدى نجاعتها في إلزام المدين على تنفيذ الأحكام الصادرة في نزاعات الشغل على الشكل التالي: الإكراه البدني في المادة الإجتماعية (المطلب الأول) الغرامة التهديدية ( المطلب الثاني ) تم الغرامة الإجبارية ( المطلب الثالث ).


المطلب الأول : الإكراه البدني في المادة الإجتماعية


الإكراه البدني هو وسيلة لجبر الدين المحكوم عليه بأداء دينه للوفاء بهذا الدين عن طريق إيداعه بالسجن لمدة يحددها الحكم القاضي عليه بالأداء، على أنه لا يمكن للإكراه البدني أن يسقط بأي حال من الأحوال الإلتزام الذي يمكن أن تجري في شأنه بعد ذلك متابعة بطريقة التنفيذ العادي، غير أن الإكراه البدني فيما يخص الغرامات، يعتبر بمثابة وفاء يترتب عنه انقضاء الغرامة من أصلها، وقد أحدث هذا النظام بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.60.305 المؤرخ في 20 فبراير 1961 تحت عنوان الإكراه البدني في الميدان المدني.


ولخطورة هذه المسطرة يستلزم فيها توفر مجموعة من الشروط :

  • أن يكون منطوق الحكم قد حدد مدة الإكراه البدني.

  • أن يكون الحكم المطلوب تنفيذه نهائيا قد اكتسب قوة الشيء المقضي به بصفة لا تقبل جميع طرق الطعن منها العادية وغير العادية. الرجوع، واستنفذ .

  • أن يوجه الدائن الإنذار بالأداء إلى المحكوم عليه ويبقى بدون جدوى بعد مرور أكثر من 10 أيام.

  • أن يقدم المحكوم له طلبا للنيابة العامة باعتقال المحكوم عليه إذ ليس للنيابة العامة أن تتدخل في تنفيذ الإكراه.

  • ويجب أن يرفق الطلب بالنسخة التنفيذية للحكم، وشهادة بعدم الطعن.

وإذا لم تحترم هذه الإجراءات وتم تحريك مسطرة الإكراه البدني رغم ذلك، فللمحكوم عليه الطعن في صحة المسطرة.

ولقد وضع المشرع المغربي مجموعة من الإستثناءات إذا ما توفرت إحداهما في المحكوم عليه أعفي من تطبيق مسطرة الإكراه البدني، وبمراجعة هذه الإستثناءات نجد المشرع لم يدرج ضمنها ما هو متعلق بالحالة المدية للمدين، ولكن بمصادقة المغرب في 3 ماي 1979 على إتفاقية نيويورك ل 16 دجنبر 1966 المتعلقة بالحقوق السياسية والمدنية والتي جاء في المادة 11 منها " لا يجوز سجن إنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقد فقط " يكون المشرع قد اعتبر أن عدم القدرة على الوفاء من الإستثناءات التي تحول دون تطبيق مسطرة الإكراه البدني.


وفي هذا الإطار جاء في قرار محكمة النقض  " الفصل 11 من المعاهدة الدولية الخاصة بحقوق السياسة والمدنية ينص على أنه لا يجوز سجن إنسان فقط على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي، ولما كان مناط هذه الدعوة هو تطبيق الإكراه البدني على الطاعن لعدم وفائه بالتزام تعاقدي وهو أداء واجب الكراء، فإن المحكمة استجابة للطلب تكون قد بنت قرارها على غير أساس سليم باعتبار مصادقة المغرب على هذه المعاهدة تعني التزامه بتنفيذ وسريان مقتضياتها داخل التراب الوطني لكونها تعبيرا منه عن إرادته فعرضت قرارها للنقض".


ويمكن أن نستخلص من هذا القرار قاعدتين، الأولى أنه تتمثل في أنه لا يمكن تطبيق الإكراه البدني متى كان المدين غير قادر على الوفاء بالتزامه التعاقدي والثاني أن المغرب بمصادقته على الإتفاقيات الدولية يكون ملتزما بمقتضياتها وواجبة التطبيق ولها الأسبقية على القانون الداخلي.


وأما بخصوص تطبيق الإكراه البدني في النزاعات المرتبطة بعلاقة الشغل فنعتقد أنه لا يوجد ما يمنع من تطبيق هذه المسطرة في حق المشغل الذي يرفض تنفيذ التزاماته التعاقدية ذات الطابع المادي، مع احترام شروطه هذه المسطرة، وخاصة القدرة على الوفاء بالإلتزام.


المطلب الثاني : الغرامة التهديدية في المادة الإجتماعية


تعتبر الغرامة التهديدية وسيلة غير مباشرة وطريقة غير إستثنائية للوصول إلى التنفيذ العيني في أحوال معينة وبشروط خاصة فهي تدبير إكراهي للتغلب على تعنت أو إمتناع مطلوب ضده التنفيذ العيني، وهي كذلك تحذيرية لكونها تنبه المحكوم عليه إلى الجزاءات المالية التي سوف يتعرض لها إن هو استمر في مقاومة تنفيذ الحكم الصادرضده.


وقد ذهبت محكمة الإستئناف بالرباط إلى القول بأن الغرامة التهديدية، " وسيلة يمنحها القضاء للدائن لتمكينه من الحصول على التنفيذ العيني ويفرضها على المدين عند تأخره عن القيام بواجباته وبشكل نقدي معين عن كل وحدة من الزمن إلى أن يتم التنفيذ ".


كما تطرق المشرع المغربي للغرامة التهديدية من خلال الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية الذي جاء فيه " إذا رفض المنفذ عليه أداء التزام بعمل أو خالف التزاما بالإمتناع عن عمل أثبت عون التنفيذ ذلك في محضره، وأخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة تهديدية ما لم يكن سبق الحكم بها.


يمكن للمستفيد من الحكم أن يطلب علاوة على ذلك التعويض من المحكمة التي أصدرته".


وللحكم بالغرامة التهديدية لا بد من توفر مجموعة من الشروط :

  • وجود إلتزام قابل للتنفيذ العيني، أما إذا أصبح تنفيذه العيني مستحيلا كان يهلك الشيء محل الإلتزام أو أن المدين قام بالعمل الذي التزم بالإمتناع عنه ولم يعد في الإستطاعة الرجوع في ذلك فلا مجال للإلتجاء للغرامة التهديدية في هذه الأحوال لأن التنفيذ أصبح مستحيلا إستحالة قانونية أو واقعية، وفي هذه الحالة لا يبقى للدائن إلا المطالبة بالتعويض.

  • أن يقتضي تنفيذ الإلتزام التدخل الشخصي للمنفذ عليه فوجود هذا الشرط مرتبط بوجود الإلتزام، وأن يكون هذا الأخير أمرا ممكنا تنفيذه أما إذا لم يبق هناك أو أصبح مستحيلا إستحالة قانونية أو واقعية ففي هذه الحالة يمكن المطالبة عن طريق التعويض كما نص على ذلك الفصل 263 من ق ل ع.

  • امتناع المدين عن تنفيذ الإلتزام ، فلابد أن يكون هناك رفض صريح من طرف المنفذ عليه، والرفض يقتضي الإستطاعة من طرف المنفذ عليه على التنفيذ من غير إرهاق أو ضرر جسيم تطبيقا لقواعد العدالة.

  • أن يطلب الدائن الحكم له بالغرامة التهديدية.

بالرجوع إلى الفصل 448 من ق م م نجده ينص " على أنه إذا رفض المنفذ عليه أداء الإلتزام بعمل أو خالف الإلتزام بالإمتناع عن عمل، أثبت عون التنفيذ ذلك في محضر، وأخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة تهديدية..."


فمن خلال هذا الفصل يثار التساؤل عن مدى أحقية الرئيس في الحكم بالغرامة التهديدية انطلاقا من محضر الإمتناع، أم أنه لا بد من التدخل الشخصي للمنفذ له والمطالبة بتطبيق الغرامة التهديدية؟


يرى جانب من الفقه أن الغرامة التهديدية هي إحدى الطلبات التي يجب أن يتقدم بها المدعي في مقاله لأن المحكمة رغم توافر شروط الحكم بالغرامة التهديدية، لا يمكنها الحكم بها تلقائيا اعتمادا على مقتضيات المادة 3 من ق .م.م.


في حين يرى د طيب برادة أن الحكم الذي يصدره الرئيس هو إجراء خول له القانون اتخاذه بصفة خاصة وبصفته المشرف على التنفيذ بما له من سلطة ولائية، ويطلب أن يصدر الأمر بناء على محضر الإمتناع ويسجل من غير طلب ويبقى في نفس الوقت بملف التنفيذ إلى أن يأتي المحكوم لفائدته أو نائبه، ويطلب نسخة من ذلك ويحال على قاضي الموضوع لتصفيتها.


ونعتقد أن المشرع قد تبنى قاعدة واضحة من خلال الفصل 448 من ق م م تتمثل في أن كل رفض من طرف المنفذ عليه بأداء الإلتزام بعمل أو خالف الإلتزام بالإمتناع عن عمل يحرر بمقتضاه عون التنفيذ محضرا يحيله على الرئيس الذي يحكم بالغرامة التهديدية بناءا على محضر الرفض، ونرى أنه ليس في ذلك أي تعارض مع مقتضيات الفصل 3 من ق م م تنفيذ الحكم الذي حصل عليه والرئيس بفرض الغرامة التهديدية إنما يسعى إلى إجبار المدين على تنفيذ ما طلبه الدائن، بالإضافة إلى ذلك فإن الغرامة التهديدية لا يتم استخلاصها إلا بناءا على طلب موجه إلى محكمة الموضوع من صاحب الحق.


أما بخصوص طبيعة الغرامة التهديدية فهناك جانب فقهي يرى أن أساس تصفية الغرامة التهديدية هو تعويض المحكوم له الدائن عن الضرر الذي أصابه من جراء عدم التنفيذ، وهو ضرر واحد يمكن أن يعوض عنه مرتين.


وقد جاء في قرار محكمة النقض " أن تعيين الغرامة التهديدية يمثل أساس تحديد مبلغ التعويض الذي يستحقه المدعي عن الضرر اللاحق به من جراء امتناع المحكوم عليه من القيام بالعمل الذي حكم به عليه..."


في حين يذهب جانب آخر من الفقه إلى أن الغرامة التهديدية هي سلطة مستقلة تماما عن تعويض الضرر وأن أساس الحكم بها يختلف عن أساس الحكم بالتعويض.


ونعتقد أن هذا الأخير هو الأقرب إلى الصواب فبمراجعة الفصل 448 من ق م م يتضح أن المشرع يميز بين كل من التعويض والغرامة التهديدية حيث نص على " أنه يمكن للمستفيد من الحكم أن يطلب علاوة على ذلك التعويض من المحكمة التي أصدرته " وبالتالي فالمحكوم له يستحق كلا من التعويض والغرامة التهديدية عند الإمتناع عن التنفيذ، وإلا سيتم إفراغ الغرامة التهديدية من دورها المتمثل في كونها وسيلة تهديدية.


للتغلب على تماطل المدين وحمله على تنفيذ التزامه، حيث أن المدين الذي يمتنع عن التنفيذ يعلم أن هذا الأمر سيرتب تعويضا في ذمته لصالح المحكوم له، وبالتالي فإن تحويل الغرامة التهديدية، التي يمكن أن يحكم بها عليه لعدم التنفيذ، إلى نفس التعويض ستدفعه للتمسك بقراره أكثر . وعليه أن تؤدي الغرامة دورا في دفع المنفذ عليه إلى التنفيذ ستكون سببا في إطالة الإجراءات في إطالة الإجراءات وإنهاكا للمحكوم عليه الذي سيفضل عند عدم التنفيذ الإكتفاء بطلب التعويض بدل الغرامة التهديدية التي ستتحول في آخر المطاف بدورها إلى تعويض.


من خلال ما تقدم يمكن القول إن الغرامة التهديدية يمكن أن تؤدي دورا مهما في إلزام المدين - وغالبا ما يكون المشغل - في الأحكام الصادرة في نزاعات الشغل على تنفيذه التزاماته العينية.


وهذا الإلتزام غالبا ما يكون إما تسليم شهادة العمل بمناسبة انتهاء العلاقة الشغلية فالأجير في هذه الحالة له الحق في مطالبة المشغل بتسليم شهادة العمل وعند الرفض يحق له المطالبة بتطبيق الغرامة التهديدية من أجل دفعه إلى التنفيذ، غير أنه إذا استمر في رفضه فللأجير المطالبة بالتعويض بالإضافة غلى ذلك استخلاص الغرامة التهديدية.


أما بخصوص الحكم القاضي بالإرجاع إلى العمل ومدى إمكانية تطبيق الغرامة التهديدية كوسيلة لدفع المشغل إلى التنفيذ، فالملاحظ أن محكمة النقض سلكت توجها اعتبر فيه أن هذه العلاقة تحول دون تطبيق الغرامة التهديدية وجاء في أحد قراراتها " إذا كان المشرع في الفصل 488 من ق م م مكن قضاة الموضوع من الحكم بغرامة تهديدية ضد الشخص الذي يمتنع عن تنفيذ حكم قضى عليه بالقيام ما لإجباره على القيام بذلك العمل، فإنه في نزاعات الشغل فإن الأجير الذي يرفض المشغل إرجاعه إلى عمله لا يكون أمامه سوى تقديم طلب جديد يرمي على التعويض عن الضرر الحاصل له من جراء الطرد التعسفي وتعسف المشغل في استعمال الحق ".


ونعتقد أنا هذا التوجه فيه ضد الأجراء الذين يبدون رغبتهم في الإستمرار في أداء مهامهم، خاصة وأن من يقضي فترة من عمره وهو يزاول عملا معينا يصعب عليه إيجاد منصب مماثل بنفس الظروف ونفس الإمتيازات، هذا مع الإشارة إلى أن الحكم بالغرامة التهديدية لا يعني قبول المشغل تنفيذ الحكم القاضي بالرجوع ولكن نعتقد أن الحكم بها سيدفع بعض المشغلين للإمتثال لمثل هذه الأحكام، أو على الأقل سيضاف إلى التعويض عن الفصل التعسفي استخلاص الغرامة التهديدية.


كما نرى أن هذا التوجه الذي سلكته محكمة النقض قد يؤخذ كقاعدة ويطبق بشكل مطلق عند عرض أي نزاع من هذا القبيل، في حين ينبغي أن تبقى للقضاة سلطته التقديرية التي تسمح له بالتمييز بين الحالات التي يمكن الحكم فيها بالغرامة أو العكس.


وبهذا يجب على القضاء التمييز مثلا بين المشاريع الصغرى والتي يكون فيها الإحتكاك بين المشغل والمؤاجر يتم بشكل مباشر ويومي والتي يبدو فيها الحكم بالإرجاع صعبا، وبين المشاريع الكبرى التي يمكن فيها القبول بعودة الأجير دون أن يمس ذلك بهيبة المشغل والتي يمكن الحكم فيها بالغرامة التهديدية عند الرفض.


المطلب الثالث : الغرامة الإجبارية


ينص المشرع المغربي في الفصل 79 من ظهير 6 فبراير 1963 كما وقع تعديله سنة 2002 " كل تأخير غير مبرر في أداء التعويض اليومي والتعويض المقرر في الفصل 63 يخول الدائن ابتداء من اليوم الثامن الموالي لحلول أجلها الحق في غرامة إجبارية يومية تساوي واحد في المائة (% 1) من مجموع المبالغ غير المؤذاة ".


فاستنادا إلى هذا النص التشريعي واعتبارا للطابع المعيشي للتعويض الممنوح للأجير المصاب بحادثة شغل أو مرض مهني أو لذوي حقوقه بعد وفاته ارتأى المشرع أن يقر وسيلة لإجبار المؤاجر أو مؤمنه المدين على أداء هذه التعويضات حالة تأخره غير المبرر عن الوفاة بها، وتتمثل في أداء غرامة إجبارية يومية تساوي (% 1) من مجموع المبالغ غير المؤذاة وذلك ابتداء من اليوم الثامن من حلول تاريخ الأداء.


وبهذا عرف جانب من الفقه الغرامة الإجبارية بأنها تعويض إضافي خوله المشرع المغربي للأجير الذي يكون ضحية حادث شغل أو مرض مهني، كجزاء قانوني في حالة تأخر المشغل أو من يحل محله في أداء الإيراد أو الأداء اليومي، ويعادل هذا التعويض نسبة (% 1) من مجموع المبالغ المستحقة والحالة الأداء.


وبهذا المصاب الذي يعجز عن تنفيذ الحكم نظرا لتعنت المشغل أو مؤمنه غير ملزم بسلوك مسطرة الغرامة التهديدية طبقا للفصل 484 من م م ، وإنما هناك قواعد خاصة تتعلق بما يسمى بالغرامة الإجبارية.


وتتميز الغرامة الإجبارية عن الغرامة التهديدية من عدة نواحي :

  1. الغرامة الإجبارية تعويض قانوني يحدد نسبته النص القانوني في حين الغرامة التهديدية تعويض قضائي يحدده القضاء.

  1. الحكم بالغرامة الإجبارية لا يحتاج فيها إثبات الضرر الحاصل للدائن فبمجرد فوات الأجل يستحق الأجير الغرامة، وذلك عكس الغرامة التهديدية التي يجب فيها إثبات الضرر.

  1. الحكم بالغرامة الإجبارية حكم نهائي قابل للتنفيذ في الحال، في حين الغرامة التهديدية لا تنفذ إلا بعد أن تحول إلى تعويض.

  1. الغرامة الإجبارية غير خاضعة للتخفيض ، بينما الغرامة التهديدية يمكن تخفيضها.

ولا يحكم بالغرامة الإجبارية في حالة عدم أداء الإيرادات، إلا إذا ثبت امتناع المدعى عليه الذي هو طبعا المشغل أو مؤمنه القانوني عن الأداء، ويثبت الإمتناع عن طريق محضر يسمى محضر الإمتناع عن التنفيذ يحرر من طرف العون المكلف بالتنفيذ، فلا يعقل أن يحكم بهذه الغرامة بمجرد صدور الحكم القاضي بالإيراد، وإنما يتعين تبليغ هذا الحكم وفتح ملف التنفيذ، ذلك أن عملية التنفيذ تستغرق مدة ليست بهينة.


ولا بد من الإشارة على أن الغرامة الإجبارية لا تحكم بها المحكمة من تلقاء نفسها ولو ثبت لها التأخير غير المبرر من طرف المشغل أو مؤمنه، وإنما تحكم بها بناء على طلب من كل ذي مصلحة.


هذا الأمر أكده قرار صادر عن محكمة الإستئناف بسطات جاء فيه : " وحيث أن الغرامة الإجبارية لا يحكم بها إلا إذا طلبت، وحيث أن الحكم الإبتدائي قضى بها دون أن يطلبها المدعي الذي يتعين إلغاؤه بخصوص هذه النقطة والحكم برفض الطلب ".


ومن خلال ما تقدم يمكن القول أن الغرامة الإجبارية تقوم بدورا مهما في حمل المدين المتمثل في المشغل أو مؤمنه - على تنفيذ الأحكام القضائية بالتعويض عن حوادث الشغل أو الأمراض المهنية التي قد تصيب الأجير، وذلك مخافة تراكم هذه الغرامة التي قد تتجاوز في بعض الأحيان قيمة التعويض المستحق للأجير كمقابل للحادثة أو المرض الذي أصاب الأجير بمناسبة أدائه لمهامه.


ومثال ذلك الحكم الصادر عن المحكمة الإبتدائية بالرباط الغرفة الإجتماعية بتاريخ 16 أكتوبر 2006 تحت رقم 913 بالملف عدد 104/1268/12/12:


" إذ المشغل كان مطالبا بأداء مبلغ 1500 درهم كإيراد عمر سنوي لكن المصاب استطاع إقناع المحكمة بأن المشغل امتنع عن أداء هذا الإيراد فقضت لصالحه بمبلغ 751995.31 درهم عن المدة المتراوحة ما بين 1989/1/1 و 2006/3/30 ".


 فى النهاية آخر نقطة أنت من ستضيفها فى التعليقات، شاركنا رأيك.

تعليقات

التنقل السريع