القائمة الرئيسية

الصفحات

علاقة التبعية في عقد الشغل وآثارها - التبعية القانونية والتبعية الإقتصادية

أنواع التبعية - التبعية القانونية والتبعية الإقتصادية

علاقة التبعية في عقد الشغل وآثارها - التبعية القانونية والتبعية الإقتصادية


يقصد بالتبعية في عقد الشغل خضوع الأجير لإشراف ورقابة المشغل أثناء تأديته لعمله، إما مـن المشتغل شخصيا، وإما ممن أنابه عنه في القيام لهذه المهمة، وتعد أيضا معيارا للتمييز بين عقد الشغل وبقية العقود الأخرى التي ترد بدورها على العمل.


المبحث الأول : الأحكام العامة للتبعية في عقد الشغل


لقد ذهب القضاء من خلال القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ المجلس الأعلى بتاريخ 1998/03/17، حيث اعتبر أن معيار التمييز بين عقد العمل وغيره من العقود وهو وجود علاقة التبعية.

فالتمييز بين عقد الصنع وعقد إجازة الخدمة باعتبار الشغل بالقطعة لا يعد المعيار الرئيسي فقط.


وقد كان لهذا العنصر من عناصر عقد الشغل في الفقه التقليدي بعدا قانونيا يتمثل في خضوع الأجير لإشراف وتوجيه ومراقبة المشغل إلا أنه ما لبث أن ظهر اتجاه فقهي يعطي التبعية بعدا اقتصاديا مرتكزا على اعتماد الأجير في حياته على شغله وخصوصا على ما يستمده من أجر.


ولتناول عنصر التبعية لابد أن نتطرق إلى :

  1. ما هو تعريفها؟
  2. وأين تتجلى حدود التبعية ؟
  3. وماهي أنواع التبعية وصورها؟
  4. وماهي آثار التبعة؟


المطلب الأول : تعريف التبعية


لم يعرف المشرع المغربي التبعية في مدونة الشغل وإنما أشار إليها بمناسبة تعريفه للأجير، حيث نص الأجير هو كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني تحت تبعية مشغل واحد أو عدة مشغلين لقاء أجر أيا كان نوعه وطريقة أدائه، كما أنه ركز على ضرورة انصياع العامل لأوامر من يمارس العمل لحسابه كما اعتبر الامتناع عن ذلك بمثابة خطاً جسیم يبرر طرد العامل بدون تبرير ولا تعويض.


أما بالنسبة للقانون المقارن فإننا نجد أن المادة 22 من قانون العمل الليبي تنص على أن العامل يعمل تحت إدارة وإشراف صاحب العمل وكذلك الأمر بالنسبة للمادة 2 من قانون العمل الأردني التي تنص على أن العامل يعمل لدى صاحب العمل تحت إشرافه وإدارته.


المطلب الثاني : حدود التبعية


إذا كانت علاقة التبعية تقتضي أن ينفذ الأجير ما كلف به من أشغال بالكيفية التي طلبت منه، دون مناقشة الأوامر التي أعطيت له بهذا الشأن ما دامت لا تخرج عن نطاق المشروعية، وما دامت في الحدود المقررة بمقتضى بنود العقد فإنه في المقابل لا يمكن للمشغل استغلال مثل هذه التبعية للتدخل في الحياة الشخصية للأجير كأن يحمله على الانخراط في حزب معين أو يفرض عليه الزواج من امرأة يختارها له.


وكتطبيق لما سبق  فإنه لا يمكن إطلاقا لصاحب العمل أن يستغل تبعية العامل أو المستخدم له فيتخذها ذريعة لتغيير شروط العقد الذي يربط بينهما، لأن التغيير الذي يحصل في مثل هذه الظروف، دون أن يحقق للعامل أى مكتسب مادي أو معنوي، يمثل خرقا لذلك العقد، ومن تم يكون مخالفة للنظام العام، وفي الغالب الأعم، فإن العامل قلما يقبل بمثل ذلك التغيير، ما لم يلابس ضغط أو إكراه أو تدليس أو غش حيث يمكن إبطاله أمام القضاء.


المطلب الثالث : أنواع التبعية


تنقسم التبعية إلى قسمين : تبعية قانونية وتبعية إقتصادية.


الفقرة الأولى : التبعية القانونية


عرف جانب من الفقه المصري التبعية القانونية بكونها: " الرابطة القانونية الناشئة عقد العمل التي تربط شخص العامل ... بأوامر وتعليمات وإشراف رب العمل، وهي التي تخول لهذا الأخير سلطة تأديبية، واعتمادا عليها، تبرر مختلف الإجراءات التنظيمية التي يخضع لها العامل بالمؤسسة ".


وهذا ما ذهب إليه القضاء في القرار الصادر عن الغرفة الاجتماعية بالمجلس الأعلى بتاريخ 17 مارس 1998 ما يلي :

  • " لكن حيث إن المحكمة قد استخلصت في إطار سلطتها التقديرية بوجود علاقة التبعية من كون الأجير المطلوب في النقض يشتغل لدى الطاعنة بمحلها وتحت مراقبتها وإشرافها وبمواد وأدوات إنتاجها ودون انقطاع طيلة مدة العمل، وبذلك تكون قد أخذت في إطار سلطتها التقديرية بشهادة الإثبات التي قدمها الأجير، والتي تقر أنه اشتغل على النحو المذكورة أعلاه والتي تفيد أن العلاقة بين الطرفين هي علاقة شغل وليست علاقة الإجارة على الصنع..."


وجاء في قرار آخر صدر عن المجلس الأعلى في الملف الاجتماعي عدد 4298/1/95 ما يلي :

  • " وحيث أن القرار المطعون فيه لما اعتبر أن العلاقة بين الطرفين هي علاقة شغل اعتمادا على الأجر فقط دون أن يبرر بقية العناصر من إشراف وتوجيه ورقابة يكون القرار ناقص التعليل الموازي لانعدامه مما يعرضه للنقض ".

وهذا ما ذهب إليه القضاء أيضا فى القرار الصادر تحت رقم 442 الصادر عن المجلس الأعلى في الملف عدد 298/14/1/95 بتاريخ 1997/04/15.


 إن الذي يميز عقد العمل هو عنصر التبعية من إشراف وتوجيه ورقابة المشغل تجاه أجيره، إن القرار المطعون فيه لما اعتبر العلاقة الرابطة بين الطرفين هي علاقة شغل اعتمادا على الأجر فقط، دون أن يبرر بقية العناصر من إشراف وتوجيه ورقابة، يكون القرار ناقص التعليل الموازي لانعدامه مما يعرضه للنقض.


الفقرة الثانية : التبعية الإقتصادية


جاءت التبعية الاقتصادية استجابة للضرورة الملحة لبعض الفئات العمالية الضعيفة اقتصاديا والتي يتميز عملها بالاستقلالية وعدم خضوعها قانونيا لمن تؤدي العمل لحسابهم، وإن كان خضوعها لهم يبدو ضعيفا إلا أنه أشد وأظهر من بعض الأجراء الشيء الذي أدى إلى ضرورة التوسع في نطاق الحماية القانونية للشغل، وذلك من خلال جعل هذه الفئة تنطوي تحت مظلة قانون الشغل.


إلا أن مفهوم التبعية الاقتصادية قوبل بالرفض من طرف مجموعة من الفقهاء لاعتبارات متعددة، أولها أنه مفهوم غير محدد، وثانيهما أنه يعلق تكييف القانون للعقد على عنصر أجنبي عنه وهو المركز الاقتصادي والاجتماعي للأجير، ومن جهة ثالثة أن الاكتفاء الاقتصادية من شأنه أن يهدد بطغيان عقد الشغل على غيره من العقود التي ترد على العمل.



المطلب الرابع : صور التبعية


تتوفر كل مؤسسة عادة على مجموعة من العمال والمستخدمين والأطر الصغرى والأطر الكبرى وفي حقيقة الأمر التبعية مفروضة عليهم جميعا ليست كلها على درجة واحدة من حيث الشدة واللين وإنما تختلف من حالة إلى أخرى وبهذا الشأن نجد صورا متعددة للتبعية القانونية.


من بين هذه الصور التبعية الفنية والتي تعد أقوى الصور إذ تفترض بالإضافة إلى الاتصال المباشر المشغل والأجير أن يكون هذا الأخير فى كل لحظة، وأثناء تنفيذ العمل تحت رقابة المشغل، ورهن أوامره وأن يكون المشغل مختصا أو على الأقل قادرا من الناحية الفنية على إدارة العمل وتوجيه الأجير في أدائه إذ المقصود منها خضوع العامل لتوجيه وإشراف كامل وشبه كامل من قبل صاحب العمل.


بالنسبة الموضوع العمل بكل جزئياته وعلى هذا الخصوص يفترض في صاحب العمل الإلمام الكلي والكافي لموضوع الشغل لكي يتحقق له مثل ذلك الإشراف على النشاط الذي يباشره الأجير ويتم ذلك عادة في المؤسسات الصناعية والتجارية الصغرى التي تمارس عادة أعمال جد بسيطة كالتجارة مثلا... والتي تتطلب اتصالا مباشرا ومستمر بين الأجير والأجراء.


أما التبعية الإدارية والتنظيمية فهي التي يكتفي فيها صاحب العمل بإدارة العمل وتنظيمه إداريا فقط وذلك لا يتطلب الإلمام التام للمشغل بالأصول الفنية لمهنة أو حرفة الأجير، ومن ذلك صاحب المقاولة الذي يتعاقد مع محامي أو طبيب لكي يستعين بخبرتهم فإنه يشرف عليهم جميعا من الناحية الإدارية فقط دون الفنية لجهله غالبا بأصول اختصاصهم.


ويجدر الذكر أن مدونة الشغل قد أقصت فئة العاملات المنزليات وهي أكثر الفئات العمالية بؤسا وشقاءا لما يمارس عليهم من استغلال بشع، وذلك بالرغم من العناء الذي تتكبده هذه الفئة من أجل الائتمار بأوامر رب البيت (العمل)، وبالرغم من طول الساعات التي تقضيها في العمل وعلى الرغم من الأصوات المتعالية من أجل وضع إطار قانوني لهذه الفئة لإقرار بعض الحقوق لها.

والنقطة الوحيدة التي أشارت إليها مدونة الشغل من خلال المادة 4 هو أنه سیصدر قانون تنظيمي لا حق ينظم شروط تشغيل هذه الفئة.


المبحث الثاني : آثار التبعية


من بين الآثار التي تترتب عن وجود التبعية مسؤولية المشغل عن بعض الأفعال الضارة التي يرتكبها الأجير الذي يشتغل تحت تبعيته وكذلك السلطة التأديبية.


المطلب الأول : مسؤولية المشغل عن بعض الأفعال الضارة


تتطلب التبعية القانونية تنفيذ الأجير لأوامر المشغل بكل دقة وعناية، وعدم احترام هذه الأوامر وتنفيذها بالكيفية التي يشترطها المشغل تمثل في حد ذاتها خطأ جسيما يبرر طرد الأجير دون سابق إخطار.


كما أن ارتكاب الأجير لبعض الأفعال التي تضر بالغير سواء بقصد أو بغير قصد ترتب أيضا مسؤولية المشغل، لهذا الأخير بإعمال سلطته التأديبية بالكيفية المحددة في مدونة ما وهو يسمح الشغل.


من وهكذا، فبعدما أكد المشرع المغربي في الفصل 85  قانون الالتزامات والعقود والمضاف بظهير 19 يوليوز 1937 بأن الشخص لا يكون مسؤولا عن الضرر الطي يحدثه بفعله فحسب، وإنما يكون مسؤولا أيضا عن الضرر الذي يحدثه الأشخاص الذين هم في عهدته كما أضاف فى الفقرة الثالثة والرابعة من نفس الضرر الفصل :


«المستخدمون ومن يكلفون غيرهم برعاية مصالحهم يسألون عن ا الذي يحدثه خدامهم ومأموروهم في أداء الوظائف التي يشغلوهم فيها أرباب الحرف يسألون عن  الضرر الحاصل من متعلميهم خلال الوقت الذي يكونون فيه تحت رقابتهم ..».


المطلب الثاني : السلطة التأديبية


إن نجاح المشرع الذي يسهر صاحب المؤسسة على تنفيذه والذي يتحمل من أجله نفقات جد باهظة رهين بقيام الأجراء بعملهم على أحسن وجه، وحتى يكون لتعليمات صاحب المؤسسة صدى فاعلا لدى كل الأجراء فقد أيدها المشرع بمجموعة من العقوبات التأديبية التي تندرج في الواقع بقوة الخطأ المرتكب من جانب الأجير، وهذا ما كرسه القضاء في قرار للمجلس الأعلى صادر بتاريخ 17 مارس 1998م.

«كل مخالفة للانضباط وكل خطأ يرتكبه الأجير يعرضه للتأديب طبقا للفقرة الثانية من الفصل السادس المذكور».


وفي إطار السلطة التأديبية فإن العقوبات التي تقع عادة على الأجير أو المستخدم الإخلالات التي قد يقوم بها، قد تكون معنوية كالتنبيه أو الإنذار أو التوبيخ أو تغيير المصلحة  التي يشتغل بها الأجير وقد تكون مادية بحيث يكون لها أثر سلبي على الذمة المالية له عندما تتخذ صورة توقيف لمدة معينة مع الحرمان من مبلغ ا الأجر الذي يمثل مورد رزقه الرئيسي والوحيد.


وهذا ما نصت عليه المادة 37 من مدونة الشغل :

يمكن للمشغل اتخاذ إحدى العقوبات التأديبية التالية في حق الأجير لارتكابه خطأ غير جسيم :

  1. الإنذار،
  2. التوبيخ،
  3. التوبيخ الثاني، أو التوقيف عن الشغل مدة لا تتعدى ثمانية أيام،
  4. التوبيخ الثالث، أو النقل على مصلحة، أو مؤسسة أخرى عند الاقتضاء، مع مراعاة مكان سكنى الأجير.


وأيضا المادة 38 من مدونة الشغل : " يتبع المشغل بشان العقوبة التأديبية مبدأ التدرج في العقوبة، ويمكن له بعد استنفاذ هذه العقوبات داخل السنة أن يقوم بفصل الأجير، ويعتبر الفصل في هذه الحالة فصلا مبررا ".



كما يجب أن تتناسب العقوبات التأديبية مع الخطأ وإلا إعتر ذلك تعسفا وهذا ما اتجه إليه القضاء في القرار رقم 52 الصادر عن المجلس الملف عدد 8207/1193 بتاريخ 1962/01/09، جاء فيه : «... حيث أن القرار المطعون فيه اعتمد أساسا على استعمال الهاتف لأغراض شخصية وهذا لا يكون خطأ جسيما يستوجب الطرد، وهو في ذلك إنما قدر الخطأ الذي يخضع لتكييفه قضاة الموضوع، إذ بإمكان الطاعن المحافظة على حقوقه بوسائل أخرى غير الطرد وبالتالي تكون مناقشة الشهود غير مؤثرة في القرار فكانت الوسيلة غير مجدية».


المطلب الثالث : الطعن في القرار التأديبي


إذا تعرض الأجير لعقوبة تعسفية، فإنه يمكن له اللجوء إلى القضاء لإنصافه، وطبقا لهذا يتم عن طريق رفع دعوى أمام المحكمة المختصة خلال مدة محددة قانونا.


وقد عالجت المدونة هذه الحالة حيث أوجبت على الأجير المفصول الذي يحترم تقديم دعواه في هذا الشأن التقيد بمدة 90 يوما من تاريخ توصله بمقرر الفصل تحت طائلة سقوط حقه في ذلك.


ولقد ثار بعض الخلاف الفقهي حول تمديد المدونة لأجل رفع الدعوى أمام القضاء في ثلاثة أشهر، فهناك من استحسن هذا التمديد لكونه يمنح فرصة إقناع مشغله بالعدول عن قراره، والتصالح معه وبالتالي تجنب اللجوء إلى المحاكم.


وهناك من اعتبر أن أجل 90 يوما هو أجل سقوط لا ينقطع ولا يتوقف لاي سبب من الأسباب وبالتالي فمروره يفقد الأجير حقه في اللجوء إلى المحكمة، على عكس أجل الشهر الذي كان في التشريع الملغى أجل تقادم يمكن أن يتوقف أو ينقطع وقبول هذه الدعوى بالرغم من مرور مدة الشهر لذلك تبقى الحماية التي جاءت بها المدونة في هذا الإطار ناقصة مقارنة مع النظام النموذجي الملغى.


ولعل من مستجدات المدونة في باب مسطرة التأديب أنها استحدثت مبدأ جديدا يتمثل في مسطرة الصلح التمهيدي في حالة اعتبار الفصل تعسفي من طرف الأجير أجازت لهذا الأخير أن يبرم إتفاقا مع مشغله من أجل الرجوع إلى عمله أو الحصول على تعويض بحضور مفتش الشغل ويمضيه بصفة رسمية ليصبح الاتفاق المتوصل إليه ملزما وغير قابل لأي طعن أمام المحاكم.


أما السلطة التأديبية للمشغل تخضع للرقابة القضائية، وذلك منعا لإساءة المشغل واستعمال سلطته اتجاه أجرائه وهذا ما أشارت إليه مدونة الشغل في المادة 42 منها.


 فى النهاية آخر نقطة أنت من ستضيفها فى التعليقات، شاركنا رأيك.

تعليقات

التنقل السريع