القائمة الرئيسية

الصفحات

الصلح في نزاعات الشغل الجماعية بالمغرب

الصلح نزاعات الشغل الجماعية بالمغرب
الصلح نزاعات الشغل الجماعية

 الصلح في نزاعات الشغل الجماعية بالمغرب

يعتبر الصلح نزاعات الشغل الجماعية من أهم الطرق البديلة لتسوية الخلافات ، فمع ظهور الثورة الصناعية وتجمع العمال في منطقة جغرافية محددة ومعاناتهم من الاستغلال التعسفي لأرباب العمل سواء فيما يتعلق بضآلة الأجور أو بالمبالغة في تشغيل العمال في ظروف قاسية وتحكم في اليد العالمة من قبل أرباب العمل ادى إلى خلق وعي طبقي لدى العمال، دفعهم إلى التكتل لمواجهة أرباب العمل ولم تعد المساومة حول ظروف العمل فردية بل أصبحت جماعية ، انعكس هذا التكتل العمالي في إطار نقابات مما خلق علاقات شغل جماعية دون أن يعني ذلك القضاء بشكل مطلق على التعسفات التي يمارسها أرباب العمل على حقوق الأجراء، والتي قد تؤدي إلى نزاعات جماعية تتجه إلى الإضراب من قبل نقابات الأجراء أو إغلاق المؤسسات الشغلية من طرف أرباب العمل، وسعيا من التشريعات لإيجاد حلول ودية لهذه النزاعات، وضعت ما يسمي بمسطرة المصالحة أو التصالح كآلية بديلة وسريعة للوصول إلى الحل الأنسب.

كما أن الطبيعة الخاصة لهذه النزاعات، وبالنظر للسرعة التي يجب أن تواجه بها وهي من سمات المصالحة، فإن المشرع أولى أهمية كبيرة للإجراءات المسطرية المتبعة أمام هيئات التسوية، حيث يلاحظ بخصوصها أنها تتميز بالبساطة والمرونة وبعدها عن شكليات القضاء العادي. وبالتالي سنعتمد إلى تقسيم هذا الفصل إلى مطلبين, حيث سنتطرق في (المطلب الأول )  للهيئات المكلفة بالمصالحة في نزاعات الشغل الجماعية ثم للإجراءات المسطرية للمصالحة في نزاعات الشغل الجماعية ( المطلب الثاني ).

 

المطلب الأول : الهيئات المكلفة بالمصالحة في نزاعات الشغل الجماعية

إن مسطرة المصالحة التي كان ينص عليها ظهير 1946 وصفها الفقه بالتقليدية، ودعا إلى اعتماد وسائل حديثة لتسوية نزاعات الشغل الجماعية، وذلك بالإشراك الفعلي لمفتشية الشغل في حل مثل هذه المنازعات، وهذا ما نصت عليه مدونة الشغل رسميا وذلك بجعلها مفتشية الشغل تقوم بالمصالحة في النزاعات الشغلية بشقيها الفردي والجماعي.

ووعيا من المشرع بأهمية التصالح في نزاعات الشغل الجماعية، جعل هذه المسطرة تمر بعدة مراحل وتحت إشراف هيئات إدارية. لها من المؤهلات ما يجعلها تتناسب وتتماشى مع خصوصية هذه النزاعات، حيث تعتبر مفتشية الشغل المرحلة الأولى التي يتوجه إليها الأطراف في حالة نشوب نزاع بينهم ( الفقرة الأولى ) ، وفي حالة فشل الصلح على مستوى المفتشية يتم اللجوء إلى لجنتي البحث والمصالحة الإقليمية والوطنية ( االفقرة الثانية).

 

 

الفقرة الأولى : المصالحة على مستوى مفتشية الشغل

إن أول محاولة للتصالح بين أطراف النزاع الجماعي للشغل تتم أمام مفتش الشغل، باعتباره الفاعل الأساسي في مسطرة التصالح، لهذا فإن تدخله في الوقت المناسب وعبر الوسائل القانونية المتاحة يكون له بالغ الأثر في مدى نجاح مسطرة التصالح وعليه سنعمل في هذه الفقرة على إعطاء تعريف للمصالحة في نزاعات الشغل الجماعية ( أولا ) وتحديد كيفية تدخل مفتش الشغل إذا كان النزاع الجماعي يهم مقاولة واحدة فقط ( ثانيا ) ، وكيفية تدخله إذ هم النزاع أكثر من مقاولة ( ثالثا ).

أولا: تعريف المصالحة

تعتبر المصالحة من أهم الطرق البديلة لتسوية نزاعات الشغل الجماعية، فلا يلجأ إلى غيرها من الوسائل إلا بعد استيفاء إجراءاتها وفشلها في حل النزاع، وقد خصها المشرع المغربي بالتنظيم في الباب الثاني من الكتاب السادس من المدونة الخاص بتسوية نزاعات الشغل الجماعية فأفرد لها حيزا مهما عمل من خلاله على تنظيمها وضبطها.

الرجوع إلى المادة 550 من مدونة الشغل والتي تنص على أنه " تسوى نزاعات الشغل الجماعية وفق مسطرة التصالح والتحكيم المنصوص عليها في هذا الشأن ". يتضح أن المشرع المغربي لم يحدد مفهوم المصالحة، وبما أن وضع التعاريف ليس من اختصاص المشرع بل يرجع فيه إلى الفقه والقضاء، فإننا نجد البعض يعرف المصالحة بأنه" إجراء يرمي إلى التقريب بين وجهات النظر المتعارضة لكل من العمال وأصحاب العمل، بقصد الوصول إلى حل وسط يقبله الطرفان عن طريق طرف ثالث". من خلال هذا التعريف يتضح أن المصالحة هي إجراء غايته التقريب بين وجهات النظر المتعارضة للفرقاء الاجتماعيين بقصد التوصل إلى حل يرضي طرفي النزاع معا وذلك من طرف من يتولى مهمة المصالحة والذي يتحدد بحسب مستوى النزاع وفق ما أشارت إليه مدونة الشغل.

إن الدور الذي يلعبه الصلح يتجلى في مساعدة الأطراف على الوصول إلى اتفاق مؤقت تمهيدا لإبرام اتفاقية جماعية تساعد على تنظيم شروط وظروف العمل والتي ستتحول فيما بعد إلى قانون يحكم تنظيم العلاقات بين أطراف الشغل ، كما أن التعبير الذي ورد في المادة 500 من مدونة الشغل بكلمة التصالح بدل الصلح يفهم منه أن يتحقق فيها نوع من التوازن يحيل الفريقين المتنازعين بالنتيجة التي توصلا إليها، باعتبار أن كل فريق يحرص على الحصول على أكبر منفعة وأقل مضرة ، كما أن ذلك يقتضي أن يملك من يتولى إجراء هذه المسطرة من الكفاءة والمهارة ما يجعله يكسب ثقة المتنازعين واقتناعهم بالموافقة على الحد الأدنى من التنازلات.

 

ثانيا : النزاع داخل مقاولة واحدة

جعل المشرع المغربي لحل كل خلاف بسبب الشغل، والذي قد يؤدي إلى نزاع جماعي موضوع محاولة للتصالح يتم أمام مفتش الشغل لأنه الجهاز الأقرب إلى كل من العمال وأرباب العمل وهو الأكثر إطلاعاً على ظروف العمل وأسباب النزاع ووضعية المقاولة، كما أن مفتش الشغل مؤهل أكثر لإيجاد حل مناسب للنزاع القائم لكن السؤال الذي يطرح هنا متى يتدخل مفتش الشغل في النزاع ؟

إن المعيار في تدخل مفتش الشغل هو عدد المقاولات التي يقع فيها النزاع، بمعنى أن خلافات الشغل التي من شأنها أن تؤدي إلى نزاعات جماعية تتم أمام أعوان التفتيش، إذا كانت هذه الخلافات على مستوى مقاولة واحدة، كما يكون الاختصاص لمفتش الشغل إذا تعلق الأمر بنزاعين مختلفين في شركتين مختلفتين.

ونشير إلى أن نفس الأمر ينطبق على التشريع الفرنسي، فعندما يثور النزاع يتم عرضه على مفتش الشغل من قبل أحد طرفي النزاع الجماعي، ويتحرك هذا الأخير ( مفتش الشغل ) عبر مرحلتين : مرحلة أولى يقوم فيها بزيارة مكان العمل ومعاينة النزاع عن قرب والعمل على رصد مختلف حيثيات النزاع ، ومرحلة ثانية يعمل على عقد حوار بين الطرفين وذلك بغية الوصول إلى حل توافقي يكون منهيا للنزاع.

 

ثالثا : النزاع يهم أكثر من مقاولة

جاء في الفقرة الأولى من المادة 552 من مدونة الشغل " إذا كان الخلاف الجماعي بهم أكثر من مقاولة، فإن محاولة التصالح تجري أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم "، من خلال هذه المادة يتضح أنه إذا هم النزاع أكثر من مقاولة فإن محاولة التصالح تجري أمام المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، ويجب والحالة هاته على مندوبي الشغل المعنيين بالأمر أن يوحدوا الجهود فيما بينهم، وذلك تفاديا لتضارب الحلول إذا ما تدخل كل مندوب على حدة في النزاع الموجود داخل مجاله الترابيوهكذا فاختصاص المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة أو الإقليم، يتحدد بالنظر صلحاً في جميعا الخلافات أو النزاعات الشغلية الجماعية سواء كانت من طبيعة قانونية، أو كانت من طبيعة اقتصادية، إذا جمعت أكثر من مقاولة واحدة ونشبت في دائرة المندوبية المسؤول عنها ، حيث أن تحمله المسؤولية في هذه المندوبية ، يسمح له بالإطلاع وبالإلمام على مشاكل الشغل الموجودة فيها ، له كذلك بالإطلاع على ظروف وأحوال طبقة الأجراء وكذلك المقاولات ، كما تسمح له بالإحاطة بالأعراف وبالتقاليد السائدة في الأوساط التجارية والصناعية في دائرة اختصاصه ، مما يساعده ويسهل مهمته في إجراء محاولة التصالح بين أطراف خلافات أو نزاعات الشغل، والمساهمة في التقريب بين وجهات نظر الأطراف المعنية بها وكذا إيجاد الحلول الملائمة لها.

الفقرة الثانية : المصالحة على مستوى لجان البحث والمصالحة

إن محاولة المصالحة في نزاعات الشغل الجماعية تتم عن طريق تدخل اللجنتين المختصتين في فض النزاعات المنصوص عليهما في مدونة الشغل، وهما اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة ثم اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، غير أن عمل هاتين اللجنتين لا يبتدئ إلا بعد فشل المحاولة السابقة التي يقوم بها مفتش الشغل أو المندوب المكلف بالشغل ( حسب الحالة ، كما سبق الإشارة إليه )، وبالتالي فإن مسطرة المصالحة تتم وفق كرونولوجية محددة تحتل من خلالها اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة الخيار الثاني لفض النزاع القائم ( أولا )، أما اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة فتعتبر آخر مرحلة من مراحل المصالحة بين جميع الأطراف ( ثانيا ).

أولا : اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة

تنص المادة 557 من مدونة الشغل على أنه " تحدث لدى كل عمالة أو إقليم لجنة تسمى " اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة "، يترأسها عامل العمالة أو الإقليم، وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية لأجراء الأكثر تمثيلا.

يتولى كتابة اللجنة المندوب الإقليمي المكلف بالشغل".

من خلال استقراء المادة المذكورة سالفا يمكن أن نستنتج أن اللجنة الإقليمية تتكون زيادة على المندوب الإقليمي المكلف بالشغل من ثلاثة طوائف مقسمة بالتساوي وهي :

الطائفة الأولى: ممثلين عن الإدارة.

الطائفة الثانية : ممثلين عن المنظمات المهنية للمشغلين.

الطائفة الثالثة : ممثلين عن المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا.

هذا ويرى بعض الفقه أن المصالحة التي تقوم بها اللجنة الإقليمية للبحت والمصالحة هي وسيلة لتفادي الخلافات والنزاعات الجماعية، أكثر منها وسيلة لحلها وأنها أسلوب يرمي إلى التقريب بين وجهة نظر كل من طرفي الخلاف أو النزاع الجماعي، من خلال الاستماع إلى وجهات النظر المختلفة ومحاولة التقريب بينها ، صحيح أنها وسيلة كفيلة لفض النزاع عن طريق التوفيق بين جميع آراء ومتطلبات الأطراف إرجاع الحالة إلى طبيعتها المتمثلة في سير نشاط المقاولة بشكل سليم إلا أننا لا نعتقد أن المصالحة وسيلة لتفادي النزاعات الجماعية وأنها هي وسيلة لفضها لولا وجود نزاع شغل جماعي لما تدخلت اللجنة الإقليمية لفضه.

وتطرح عدة تساؤلات تدور حول قصور المادة 557 من مدونة الشغل والتي نجملها فيما يلي:

- الإشكالية الأولى: إن المادة 557 لم تحدد عدد ممثلي كل من الإدارة والمنظمات المهتمة للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا بل أكتفت بتحديد أنها تتكون منهم بالتساوي عن كل جهة فهل يتم تعيين الممثلين وفق حجم النزاع المعروض عليها ؟

وبالتالي كلما كبر حجم النزاع كلما زاد عدد الممثلين أم أنها تنظر في جميع النزاعات المعروفة أمامها للقيام بالمصالحة بنفس العدد من الممثلين .

- الإشكالية الثانية: جاء في المادة 557 من مدونة الشغل:" ... وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات ..." فما المقصود بعبارة " الإدارة " هل هي الوزارة الوصية على قطاع الشغل، أم هي الوزارة المعنية بالنزاع أم هي العمالة أو الإقليم المثار فيه النزاع ؟

- الإشكالية الثالثة: هل المقصود بالمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا هو المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا على مستوى المقاولة أو المنظمات النقابية الأكثر على مستوى العمالة أو الإقليم.

- الإشكالية الرابعة: إن اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة بدلا من أن يترأسها عامل الإقليم وفق ما ينص عليه القانون ( الفصل 557 من مدونة الشغل ) يكلف بها بعض الموظفين الذين لا يتوفرون على النفوذ الذي يمكنهم من إنجاز هذه المهمة وخاصة إذا كان النزاع مستعصيا ويمكن ذلك في النزاعات العادية كما أن متابعة عامل الإقليم بشكل مباشر إلى جانب الموظف الذي يتم تكليفه يساعد على إيجاد الحلول ويعطي لهذه اللجنة المكانة التي يستحقها ، كما أن اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة بالنسبة للنزاعات التي يستعصي إيجاد الحلول لها يجب أن يترأس اجتماعاتها وزير التشغيل شخصيا وفق ما هو منصوص عليه في المدونة.

وفي التشريع الفرنسي يتم إحداث لجنة جهوية للمصالحة تابعة للمصالح الجهوية لوزارة الشغل وذلك حسب الفصل 523-1 من قانون الشغل الفرنسي، وتتكون اللجنة الجهوية من : المدير الجهوي للشغل والتشغيل بصفته رئيسا ، مستشار من المحكمة الإدارية ، خمسة أعضاء يمثلون أرباب العمل وخمسة أعضاء يمثلون العمال.

وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة الجهوية يمكن أن تتفرع إلى لجان جهوية أخرى أساسية ولجان غير أساسية. فما يمكن ملاحظته هو أن المشرع الفرنسي قام بتعداد الأعضاء الممثلين لكل من أرباب العمل وممثلي العمال على عكس المشرع المغربي وكذلك مستشار من المحكمة الإدارية الذي يمثل الإدارة فقد أحسن المشرع الفرنسي في ذلك بالمقارنة مع المشرع المغربي الذي ترك الباب مفتوحا دون أي تحديد.

ثانيا : اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة

نشير في البداية إلى أن المشرع المغربي كان في ظل ظهير 1946 ينص على لجنتين للمصالحة احداهما اقليمية وأخرى وطنية، إلا أنه لم يكن يجعل منهما درجتين للمصالحة، بحيث كانت اللجنة الإقليمية تختص بنظر المنازعات الجماعية التي تقع في المنطقة التابعة لنفوذها الترابي، في حين تختص اللجنة الوطنية بنظر النزاعات الجماعية التي تهم مجموعة من الأقاليم، وبالتالي لم تكن اللجنة الوطنية درجة ثانية تنظر في النزاعات التي فشلت اللجنة المحلية في حلها.

غير أنه في مدونة الشغل ومن خلال مقتضيات الكتاب السادس الخاص بتسوية نزاعات الشغل الجماعية، نلاحظ بأن المشرع المغربي أخذ بتعدد درجات المصالحة، إذ نص على أنه في حالة ما إذا لم تسفر محاولة التصالح عن أي اتفاق أمام مفتش الشغل أو المندوب الإقليمي المكلف بالشغل، فإن النزاع يحال على اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة ومن ثم فاختصاص اللجنة الإقليمية ينحصر في نظر النزاعات الجماعية التي تهم مقاولة أو أكثر والتي تتم تسويتها أمام مفتشية الشغل، وإذا لم تنجح اللجنة الإقليمية في تسوية النزاع المحال عليها ، فآنذاك يتم اللجوء إلى اللجنة الوطنية التي تختص كذلك في حالة النزاع الممتد إلى عدة عمالات أو أقاليم أو إلى مجموع التراب الوطني.

وإذا كان المشرع المغربي لم يحدد بدقة تكوين اللجنة الإقليمية والوطنية للبحث والمصالحة، فإن المشرع الفرنسي قد حدد تركيبة هذه اللجن بشكل واضح. فحسب الفصل 523-4 من قانون الشغل الفرنسي فإن اللجنة الوطنية للمصالحة تتكون من عضوية كل من وزير الشغل أو ممثله بصفته رئيسا، وممثل الوزارة المكلفة بالشؤون الاقتصادية، وخمسة أعضاء يمثلون أرباب العمال، وخمسة آخرين يمثلون العمال وأخيرا أعضاء اللجنة الجهوية للمصالحة.

 

المطلب الثاني: الإجراءات المسطرية للمصالحة في نزاعات الشغل الجماعية

إن حرص المشرع على تقوية فرص الحل الودي لنزاعات الشغل الجماعية جعله يولي أهمية كبيرة للإجراءات المسطرية المتبعة أمام هيئات التسوية، كما أن طبيعة هذه النزاعات تتطلب سرعة كبيرة لمواجهتها فهنا تبرز أهمية المصالحة كأهم الطرق البديلة لتسوية نزاعات الشغل الجماعية.

ولتناول الإجراءات المسطرية أمام جهات المصالحة، كما نصت عليها مدونة الشغل يتعين التطرق لإجراءات محاولة التصالح أمام مفتش الشغل والآثار المترتبة عنها ( الفقرة الأولى )، ثم للمسطرة المتبعة في المصالحة أمام لجان البحث والمصالحة ( الفقرة الثانية ).

الفقرة الأولى : إجراءات محاولة التصالح أمام مفتش الشغل والآثار المترتبة عنها

وعيا من المشرع المغربي بأهمية العنصر الزمني في مدى إمكانية نجاح محاولة التصالح التي يقوم بها مفتش الشغل من أجل تسوية نزاعات الشغل الجماعية، فقد عمل على تحديد إجراءات معينة يجب المرور عبرها، وذلك داخل إطار زمني محدد بموجب القانون تحسبا لكل تأخير قد يكون السبب في فشل محاولة التصالح. وسنعمل في هذا المطلب على رصد مختلف هذه الإجراءات والآثار الناجمة عن إجراء محاولة الصلح، بحيث نتطرق في ( أولا ) إلى إجراءات التصالح أمام مفتش الشغل، وفي ( ثانيا ) إلى الآثار المترتبة عن محاولة التصالح التي يجريها مفتش الشغل.

أولا : إجراءات التصالح أمام مفتش الشغل

عندما يصل إلى علم مفتش الشغل وجود نزاع جماعي، يتحرك هذا الأخير وفق المسطرة التي حددها المشرع من خلال المواد 558 و 559 و 560 من مدونة الشغل وهي مسطرة تنسجم وخاصية السرعة التي يتطلبها الوضع القائم.

وهكذا يستدعي مفتش الشغل أطراف النزاع الجماعي بواسطة برقية، داخل أجل لا يجب أن يتعدى ثمانية وأربعين ساعة من تاريخ رفع النزاع الجماعي للشغل إلى مفتش الشغل أو بعد علمه بالنزاع.

هذا، وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم يضع الاستدعاء الذي يوجهة مفتش الشغل إلى طرفي النزاع الجماعي، ضمن الحماية المقررة في المادتين 583 و 585 من مدونة الشغل.

فبالرجوع إلى مقتضيات المادة 583 من نفس المدونة نجدها تنص على أنه : " إذا استدعي أحد الأطراف بصفة قانونية للمثول أمام اللجنة الإقليمية أو اللجنة الوطنية للبعث والمصالحة .... ولم يحضر من غير أن يكون لديه عذر مقبول ودون أن ينيب عنه ممثلا قانونيا، فإن رئيس اللجنة المعنية ... يحرر تقريرا في الموضوع، ويوجهه إلى الوزير المكلف بالشغل الذي يحيله إلى النيابة العامة ".

هذا في حين نجد أن المادة 585 من مدونة الشغل، تقرر جزاءات مالية لمن يخالف أحكام المادة 583 عبر غرامة مالية تتراوح ما بين 10.000 و 20.000 درهم.

ولا ندري ما إذا كان المشرع المغربي أغفل الاستدعاء الذي يوجهه مفتش الشغل إلى طرفي النزاع الجماعي من الحماية المقررة في المواد 583 و 585 من مدونة الشغل، أم أنه تعمد هذا الأمر لاقتناعه ربما بعدم فعالية تدخل مفتش الشغل في نزاعات الشغل الجماعية.

لكن في نظرنا المتواضع، أنه لولا اقتناع المشرع بأهمية وفعالية تدخل مفتش الشغل من أجل تسوية نزاعات الشغل الجماعية، لما جعل مهمة التصالح ضمن المهام المنوطة بمفتش الشغل بحكم القانون، ولما أرفق هذه المهمة بمسطرة قانونية جد محكمة. ما يجب تفسيره بأن تشمل الحماية المقررة في المادتين 583 و 585 من مدونة الشغل حتى الاستدعاء الذي يجب تفسيره يوجهه مفتش الشغل إلى طرفي النزاع الجماعي في إطار مسطرة التصالح بالإضافة إلى ما سبق، فإن المشرع الزم الاطراف بالمثول شخصيا أمام مفتش الشغل أو أن ينيبوا عنهم شخصا مؤهلا لإبرام التصالح، إذا حال دون حضورهم سبب قاهر.

ولم يغفل المشرع الوضعية الخاصة للشخص الاعتباري، إذا ما حدث وكان طرفا في النزاع، بحيث الزمه بانتداب ممثل قانوني له صلاحية إبرام اتفاق التصالح كما سمح لأطراف النزاع بأن يكونوا مؤازرين بعضو من النقابة ( إذا تعلق الأمر بالأجراء )، أو بعضو من المنظمة المهنية ( إذا تعلق الأمر بالمشغل ) شرط الانتماء إليها أو حتى الاستعانة بمندوب الأجراء.

هذا وقد حدد المشرع إطارا زمنيا لمحاولة التصالح التي يجريها مفتش الشغل، فكل هذه الإجراءات يجب أن تتم داخل أجل لا يجب أن يتعدى ستة أيام ينطلق احتسابها منذ رفع النزاع إلى مفتش الشغل.

ولا تفوتنا الإشارة في الأخير، إلى الدور الكبير الذي يلعبه مفتش الشغل في تسوية نزاعات الشغل الجماعية عبر مسطرة التصالح، فهو يلتزم وبحكم القانون ببذل أقصى الجهود لتسوية نزاع الشغل الجماعي. فهو يعمل على استدعاء الأطراف، ويتسلم المذكرات الكتابية منهم والتي تتضمن ملاحظاتهم واقتراحاتهم لتسوية النزاع، ويعمل على رفعها إلى لطرف الآخر وذلك دون تقديمه لأية حلول أو مقترحات أو العمل على إضافة أي شيء ودون العمل أيضا على بحث مدى جدية المطالب المقدمة في المذكرة من عدم جديتها.

هذا ولم يعمل المشرع على تقييد تحركات مفتش الشغل على غرار رئيس اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة ورئيس اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، حيث ترك له الباب مفتوحا لاتخاذ جميع الإجراءات التي يرى أن من شأنها المساعدة على التصالح.

 

ثانيا : آثار محاولة التصالح التي يجريها مفتش الشغل

يترتب عن تحريك الدور التصالحي لمفتش الشغل أحد الأثرين، فبعد الدخول في مسطرة التصالح والمرور عبر الإجراءات السالف ذكرها، فإن محاولة التصالح هاته تنتهي إما بالوصول لاتفاق الصلح وبالتالي إنهاء النزاع، وإما بفشل محاولة التصالح واستمرار النزاع وما يترتب عنه من سلوك لباقي المساطر المحددة قانونا.

هكذا، فإن المشرع ألزم مفتش الشغل بتحرير محضر في ختام جلسات الصلح، يثبت فيه ما توصل إليه الأطراف من اتفاق تام او جزئي او عدم التصالح، وكذا عدم حضورهم عند غيابهمكما يتم توقيع المحضر من طرف مفتش الشغل وأطراف النزاع، ويتم تسليم نسخة منه إلى الأطراف أو تبلغ إليهم عند الإقتضاء، وفي حالة فشل محاولة التصالح وعدم التوصل إلى أي اتفاق، فإنه على الأطراف أو مفتش الشغل العمل على رفع نزاع الشغل الجماعي أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة.

لكن ما يلاحظ على هذه المادة هو غياب صيغة الإلزام، فماذا لولم يبادر أي طرف إلى رفع النزاع إلى اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة ؟

هذا بالإضافة إلى أن المادة 556 من مدونة الشغل تتحدث عن حالة عدم الإتفاق، فماذا لوغاب أحد الطرفين عن جلسة الصلح أو كلاهما ، فما الموقف الذي سيتخذه مفتش الشغل هنا ؟ وماذا لو وقع اتفاق صلح، لكن بشكل جزئي بحيث لا يكون منهيا للنزاع برمته، فهاته الحالة أيضا لم يشر إليها المشرع.

يبدو أن منطق الأمور وانسجاما أيضا مع مقتضيات المادة 556 من مدونة الشغل، فإنه في الحالتين معا يكون مفتش الشغل ملزما برفع النزاع إلى اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة ، لأن ضرورة الحفاظ على السلم الاجتماعي ومصلحة الاقتصاد الوطني ، يفرضان سلوك هذا الإجراء ، هذا بالإضافة إلى الآثار الوخيمة التي قد تترتب عن استمرار حالة النزاع كانتشار الفوضى والعنف في الاماكن التي يوجد بها نزاع الشغل الجماعي.

الفقرة الثانية : قواعد مسطرة التصالح أمام لجان البحث والمصالحة

كان وعي المشرع المغربي بخطورة الآثار المترتبة عن نزاعات الشغل الجماعية حاضرا في جميع مراحل التسوية . فمصلحة الإقتصاد الوطني وتزايد المخاوف من تأثر إستقرار الوضع الإجتماعي ، وتأثيره السلبي على معدلات جلب الاستثمار ومخاطر فقدان مناصب. كلها عوامل جعلت المشرع المغربي حريصا على وضع أنجح السبل لتسوية نزاعات الشغل الجماعية عبر الطرق السليمة والتي على رأسها الصلح.

فمن خلال ما تقدم ، سنعمل في هذه الفقرة على التعرض لمختلف الإجراءات والمساطر المتبعة من طرف لجان البحث والمصالحة من أجل تحقيق الصلح وتسوية نزاعات الشغل الجماعية ، بحيث سنتناول في ( أولا ) مسطرة التصالح أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة ، وفي ( ثانيا ) مسطرة التصالح أمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة.

 

أولا : مسطرة التصالح أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة

إن تميز نزاعات الشغل الجماعية وتفردها بمجموعة من الخصوصية فرضت على المشرع تعاملا خاصا مع آليات تسويتها، حيث عمل المشرع المغربي على التعرض لأدق التفاصيل المتعلقة بعمل اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة متوخيا في ذلك التحلي بعنصري السرعة والفعالية. وسنعالج هذه المسطرة عبر التعرض لتكوين اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة، ثم القواعد المتبعة أمام هذه اللجنة، وفي الأخير سنعمل على رصد مختلف الصلاحيات التي خولها القانون لرئيس اللجنة والسلطات التي يتمتع بها، وذلك بإعتباره محور هذه المرحلة.

 

1- : تكوين اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة

نصت المادة 557 من مدونة الشغل على أنه : " تحدث لدى كل عمالة أو إقليم لجنة تسمى اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة ، يترأسها عامل العمالة أو الإقليم ، وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، يتولى كتابة اللجنة المندوب الإقليمي المكلف بالشغل".

من خلال مقتضيات هذه المادة، يتبين أن المشرع حرص على ان تضم تشكيلة اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة طرفي العلاقة الشغلية ممثلين في المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، وأوكل رئاسة اللجنة إلى عامل العمالة أوالإقليم في حين جعل كتابة اللجنة من اختصاص المندوب الإقليمي المكلف بالشغل ، هذا بالإضافة إلى ممثلين عن الإدارة .

وقد خول المشرع الأطراف إذا تعذر عليهم الحضور شخصيا لسبب قاهر، أن يمثلوا أمام اللجنة بواسطة شخص آخر ينوب عنهم يكون مؤهلا لإبرام اتفاق التصالح.

أما بالنسبة للشخص الاعتباري فهو يعمل على انتداب ممثل قانوني تكون له صلاحية إبرام إتفاق التصالح.

هذا وقد سمح المشرع لطرفي النزاع أن يكونوا مؤازرين بعضو من النقابة أوالمنظمة المهنية التي ينتمون إليها أو بمندوب الأجراء.

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع لم يعمد إلى تحديد عدد الممثلين عن طرفي النزاع، بل اشترط فقط أن يكونوا ممثلين بالتساوي وذلك حسب ما يتطلبه الوضع وطبيعة النزاع.

2- : القواعد المتبعة أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة

في البداية نود أن نشير إلى أن اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة لا تتدخل إلا في الخلاف الجماعي الذي يهم مقاولة واحدة أو أكثر من مقاولة بعدما يفشل كل من مفتش الشغل أو المندوب الإقليمي المكلف بالشغل في الوصول إلى اتفاق الصلح. هذا ولا يجب أن يتعدى النزاع الجماعي الذي يهم عدة مقاولات حدود إقليم أو عمالة معينة، بحيث إذ انتقل النزاع إلى عدة أقاليم أو عمالات يصبح الاختصاص لصالح اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة.

 وهكذا فقد خول المشرع لكل من المندوب الإقليمي للشغل أو مفتش الشغل أو حتى طرفي النزاع تحريك الدور التصالحي للجنة الإقليمية للبحث والمصالحة، بحيث يبادر أحدهم برفع نزاع الشغل الجماعي أمام اللجنة داخل أجل لا يجب أن يتعدى ثلاثة أيام.

ومباشرة بعد بلوغ النزاع إلى علم رئيس اللجنة يعمل على استدعاء أطراف النزاع بواسطة برقية في أجل لا يتعدى ثمانية وأربعين ساعة من تاريخ رفع النزاع إلى اللجنة.

هذا وتقوم اللجنة ببذل مختلف الجهود لتسوية نزاع الشغل الجماعي بهدف التوصل إلى إتفاق صلح بين الأطراف وذلك داخل أجل لا يجب أن يتعدى ستة أيام. فمهمة اللجنة هنا تتركز حول العمل على التقريب بين وجهات النظر ومحاولة إيجاد حلول متفق عليها، وذلك عبر عقد اجتماعات مع الأطراف والمواجهة بينهما. فالهدف دائما هو الوصول إلى حل بشكل سلمي ومتفاوض عليه. وفي هذا الإطار يلتزم أطراف النزاع الجماعي بتقديم كل التسهيلات والمستندات والمعلومات التي لها علاقة بالنزاع وتطلبها اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة. فجميع الأطراف يشتغلون في إطار مشترك من أجل اقتراح وإبداع الحلول الملائمة لفض النزاع الجماعي، وذلك عبر العمل على معالجة مختلف الأسباب والعوامل للوصول إلى أنجع الحلول.

 

3- : صلاحيات وسلطات رئيس اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة

يعتبر رئيس اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة محور محاولة التصالح التي تجري في هذا المستوى، فنجاح هذه المسطرة مرتبط بمدى حركية الرئيس وقدرته على التنسيق بين أطراف النزاع الجماعي، ومدى حنكته في اقتراح الحلول الملائمة . وحتى يتمكن الرئيس من لعب الدور المنوط به في محاولة التصالح، خول له المشرع المغربي مجموعة من الصلاحيات والسلطات بموجب القانون والتي من شأنها أن تجعله أكثر قدرة على القيام بمهمة الصلح.

وفي هذا الإطار، فإن الرئيس هو من يستدعي أطراف النزاع الجماعي من أجل إجراء محاولة التصالح، ويستلم المذكرات الكتابية من الأطراف والتي تتضمن مختلف الملاحظات والآراء حول موضوع النزاع، ويعمل الرئيس على تبليغها من طرف لآخر.

كما يتمتع رئيس اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة بأوسع الصلاحيات لتقصي أوضاع المقاولات وأوضاع الأجراء المعنيين بنزاع الشغل الجماعي بحيث يمكن له استدعاء كل طرف على حدة والاستفسار منه حول مختلف العناصر المتعلقة بالنزاع أسبابه وتداعياته، والحلول الممكن التوصل لها، بل إن مهمة التقصي قد تدفع بالرئيس إلى زيارة المقاولة والاطلاع على مختلف الوقائع التي قد تكون سببا في النزاع، هل يتعلق الأمر بأزمة إقتصادية تعرفها المقاولة، أم بعدم اتفاق حول ظروف وتوقيت العمل وهكذا.

ولرئيس اللجنة أن يأمر بإجراء مختلف الأبحاث والتحريات لدى المقاولات والأجراء العاملين بها، فالبحث قد ينصب على وضعية المقاولة المعنية بالنزاع، مثلا نوع النشاط الذي تزاوله، عدد الأجراء المشتغلين بها، الوضعية المالية لهذه المقاولة ومدى انضباط هذه المقاولة لمقتضيات مدونة الشغل.

 

ثانيا : مسطرة التصالح أمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة

جاء في المادة 563 من مدونة الشغل أنه إذا لم يحصل اتفاق على مستوى اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة، فإن النزاع يحال مباشرة إلى اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة داخل أجل ثلاثة أيام.

 وهكذا يكون المشرع المغربي قد أسس لمستوى ثالث في صيرورة تسوية نزاعات الشغل الجماعية بواسطة الصلح، بعد المستوى الأول الذي يجري أمام مفتشية الشغل والمستوى الثاني الذي يجري أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة، وهو الصلح الذي يجري أمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة.

نسجل في البداية بأن إجراءات التصالح أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة هي فسها المتبعة أمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، مع بعض الإختلافات البسيطة. وسنتطرق هنا إلى تكوين اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، ثم لمسطرة التصالح أمام اللجنة، وفي الأخير سنعمل على رصد ختام جلسات الصلح أمام الهيئات المكلفة.

 

1- : تكوين اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة

تجدر الإشارة إلى أن اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة لا تتدخل في نزاع الشغل الجماعي إلا إذا امتد النزاع إلى عدة عمالات أو أقاليم أو إلى مجموع التراب الوطني أو إذ لم يحصل أي اتفاق بين أطراف النزاع أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة.

والملاحظ أن المشرع المغربي قد تنبأ للحالة التي قد يمتد فيها النزاع إلى مجموع التراب الوطني، أو إلى عدة أقاليم أو عمالات، ومادام النزاع يكون على امتداد التراب الوطني فقد تقرر إحداث لجنة وطنية للبحث والمصالحة تكون ممثلة على المستوى الوطني.                                                     وهذا بالفعل ما انعكس على تركيبة اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، فقد خول المشرع رئاسة اللجنة إلى الوزير المكلف بالشغل أو من ينوب عنه، وذلك لاعتبار أن وزارة الشغل هي الوزارة الوصية على هذا القطاع. وأوكل مهمة كتابة اللجنة إلى رئيس مصلحة تفتيش الشغل، هذا بالإضافة إلى ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا وذلك بالتساوي.

هو ويبدو أن المعني بالمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا والحالة هاته النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني، ما دام أن تشكيلة اللجنة هي تشكيلة وطنية.

وقد خول المشرع لرئيس اللجنة إمكانية استدعاء أي شخص يتضح أنه يتمتع بكفاءات تساعد على أداء مهمة اللجنة، وهكذا مثلا فإن الوزير المكلف بالشغل باعتباره رئيس اللجنة، يمكن له أن يوجه الدعوة لحضور أشغال اللجنة إلى مسؤول نقابي يتضح أن وجوده قد يساعد على تسوية النزاع، أو خبير متخصص في القانون الاجتماعي من أجل توضيح المقتضيات القانونية التي لها علاقة بالوضع. وعموما فإن المشرع أوكل مهمة إحداث اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل.

 

2-: إجراءات التصالح أمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة

نشير إلى أن مسطرة التصالح أمام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، هي نفسها المسطرة المتبعة أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة. وهكذا يتم تحريك الدور التصالحي للجنة، إما من طرف رئيس اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، أو أحد الأطراف المعنية، وذلك بعد فشل محاولة التصالح التي تجريها اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة. وبعد ذلك يقوم رئيس اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، باستدعاء أطراف النزاع بواسطة برقية وذلك داخل أجل لا يجب أن يتعدى ثمانية وأربعين ساعة من تاريخ رفع النزاع الجماعي إلى اللجنة.

هذا وقد ألزم المشرع أطراف النزاع بالحضور شخصيا أمام اللجنة أو أن ينيبوا عنهم شخصا يكون مؤهلا لإبرام إتفاق التصالح، وذلك إذا حال دون حضورهم سبب قاهر.

كما خول المشرع للشخص الاعتباري إمكانية إنتداب ممثل قانوني له صلاحية إبرام اتفاق التصالح، كما خول للأطراف إمكانية المؤازرة من طرف عضو من النقابة أو مندوب الأجراء بالنسبة للعمال أو عضو من المنظمة المهنية بالنسبة للمشغل.

ويعمل رئيس اللجنة على استلام المذكرات المقدمة من الأطراف حول النزاع وتبليغها لهم، كما تلتزم اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة ببذل مختلف المجهودات اللازمة بهدف التوصل إلى إتفاق التصالح، وذلك داخل أجل لا يجب أن يتعدى ستة أيام من تاريخ رفع النزاع الجماعي إليها.

وقد خول المشرع لرئيس اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة على غرار رئيس اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة مجموعة من الصلاحيات حتى يقوم بالدور المنوط به على أحسن وجه. وهكذا يقوم رئيس اللجنة بالتقصي والبحث حول أوضاع المقاولات وأوضاع الأجراء المعنيين بالنزاع الجماعي، كما له أن يأمر بالتحريات اللازمة، وله أن يطالب الأطراف بتقديم كل التسهيلات والمستندات والمعلومات كيمفا كان نوعها وطبيعتها والتي من شأنها أن تساعده في القيام بمهمته.

كما يجوز للرئيس أن يستعين بخبراء أو بأي شخص آخر يرى أن تدخله سيفيد في تسوية النزاع الجماعي. أما بالنسبة للقرارات التي تتخذها اللجنة فهي لا تتخذ عن طريق التصويت وإنما تتخذ عبر التوافق والتراضي والإقتناع، لأن الهدف هو الوصول إلى تسوية نزاع الشغل الجماعي عن طريق التصالح وليس التصويت.

 

3- : اختتام جلسات التصالح أمام الهيئات المكلفة بالمصالحة

يشكل محضر الصلح الوثيقة التي تدل على اختتام محاولة التصالح الجارية بين الفرقاء الاجتماعيين ، وهو بذلك يعتبر السند الذي يمكن التمسك والاحتجاج به فيما بينهم للمطالبة تنفيذ بما تم الاتفاق عليه ، فبعد استنفاذ كل الإجراءات المسطرية أمام الهيئات المكلفة بالصلح فإن هذه الأخيرة تكون ملزمة في ختام جلسة الصلح المنعقدة أمامها بتحرير محضر على الفور تضمن فيه ما توصل إليه طرفا النزاع من اتفاق تام أو جزئي أو عدم الاتفاق أو إلى حضور الأطراف أو غيابهم وذلك استنادا إلى مقتضيات المادة 555 مدونة الشغل بالنسبة للمندوب المكلف بالشغل ومفتش الشغل والمادة 563 المدونة بالنسبة للجنة الإقليمية للبحث والمصالحة وطبقا لما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 567 من المدونة بالنسبة للجنة الوطنية للبحث والمصالحة.

من من نفس ويجب أن يتضمن محضر الصلح أسماء الأطراف المتنازعة وتاريخ تحريره والجهة المحررة له، كما أن إنجاز المحضر المتعلق بالصلح يقتضي طبقا لما تنص عليه مقتضيات المواد المنظمة من مدونة الشغل، أن يضمن به ما توصل إليه أطراف النزاع من اتفاق بخصوص موضوع النزاع، مع تحديد ما إذا كان الاتفاق تاما، وبذلك يكون النزاع قد تم الحسم فيه أو أن الاتفاق كان جزئيا وفي هذه الحالة يتعين على الهيئة المكلفة بالصلح. الإشارة في المحضر إلى النقط التي تم التوصل إلى حل بشأنها وتحديد تلك التي بقيت بدون حل أو الإشارة إلى فشل الصلح بشكل كامل، وذلك من أجل إحالة النزاع على الهيئة الموالية المكلفة بالمصالحة حسب الترتيب المنصوص عليه قانونا.

 وفي جميع الأحوال ، فإن مفتش الشغل والمندوب المكلف بالشغل وكذا رئيس اللجنة الإقليمية ورئيس اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة ، ملزمون بالتوقيع على محاضر الصلح التي يتم إنجازها ، إضافة إلى توقيع الأطراف وعلى هذا الأساس فإن التوقيع يشكل إجراءا جوهريا يتعين التقيد به لإضفاء الحجية على محضر الصلح ، وتسلم نسخة من محضر الصلح إلى الأطراف وعند الاقتضاء تبليغها إليهم ، ونشير هنا إلى أن المشرع المغربي لم يحدد أجلا يتم فيه تبليغ القرار الناتج عن محاولة التصالح عكس القرار التحكيمي الذي يتم تبليغه إلى الأطراف داخل 24 ساعة من تاريخ صدوره بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل.

وإذا كان هذا فيما يتعلق بكيفية إنجاز محضر التصالح من قبل الهيئات المعروض عليها نزاع الشغل الجماعي، بحيث حدد المشرع شروط وشكليات هذا المحضر ، فإننا نتساءل عن القيمة والحجية القانونية لهذه المحاضر المنجزة م ن طرف هيئات المصالحة في نزاعات الشغل الجماعية ، على اعتبار أن المشرع لم يشر إلى هذه المسألة في معرض تنظيمه لتسوية هذه النزاعات ، واكتفى فقط بالنص على القوة التنفيذية  لمحاضر هيئات المصالحة دون النص على مدى قوتها الثبوتية.

تعليقات

التنقل السريع