ما هي إجراءات مسطرة الإستماع للأجير؟ العقوبات التأديبة والمالية للخطأ غير الجسيم - تمييز الفصل المبرر عن الفصل التعسفي
تعتبر مسطرة الاستماع إلى الأجير، عند عزمه توقيع هذه العقوبات باستثناء عقوبتي الإنذار والتوبيخ الأول، من طرف المشغل، بمثابة الفرصة الأهم للأجير للدفاع عن نفسه، فإذا كان الخطأ التأديبي هو المحرك الأساسي للسلطة التأديبية للمشغل، فإن مسطرة الاستماع إلى الأجير هي القيد الجوهري على السلطة.
بالإضافة إلى ذلك فإن مسطرة الاستماع تسري على جميع الأجراء وبدون استثناء، مع مراعاة المقتضيات الخاصة بالأجراء المحميين، الذين أفرد لهم المشرع حماية خاصة نظرا للمهام المنوطة بهم داخل المقاولة ويتعلق الأمر بمندوب الإجراء والممثل النقابي وطبيب الشغل، أو لحالتهم الصحية والنفسية والمعني هنا الأجيرة الحامل.
إذ تستوجب التبعية التي تربط الأجير بالمشغل، خضوع الأول لسلطة الثاني التأديبية والتنظيمية، لكن هذه السلطة ليست مطلقة وإنما خاضعة لقيود واردة في مدونة الشغل، أهمها إلزامه بسلوك مسطرة الاستماع للأجير، قبل اتخاذه للمقرر التأديبي في حق هذا الأخير لارتكابه خطأ موجب للتأديب.
فالمشرع المغربي اكتفى بالتنصيص على العقوبات التأديبية المتعلقة بالخطأ غير الجسيم في المادة 37 من مدونة الشغل، وألزم فيها المشغل قبل اتخاذ العقوبات التأديبية، باستثناء الإنذار والتوبيخ الأول، بسلوك مسطرة الاستماع للأجير لإتاحة الفرصة له للدفاع عنه نفسه طبقا لما هو وارد في الفقرة الأخيرة من نفس المادة.
بالإضافة كذلك لحالة الفصل المبرر المنصوص عليه في المادة 38 من المدونة بعد احترام المشغل لمبدأ التدرج في العقوبات واستنفاذها داخل أجل السنة، وأورد المشرع أخطاء جسيمة موجبة للفصل على سبيل المثال في المادة 39 من مدونة، وألزم المشغل بسلوك مسطرة الاستماع إلى الأجير قبل فصله وأخضع ذلك لرقابة السلطة القضائية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بأخطاء جسيمة غير منصوص عليها في المدونة مما يفتح المجال أمام القضاء لممارسة سلطته التقديرية في ذلك، وعليه سنعالج الحالات المتعلقة بالخطأ غير الجسيم انطلاقا من العقوبات التي أفردها المشرع له سواء منها العقوبات المعنوية، أو العقوبات المادية، إضافة إلى حالة الفصل المبرر الناتجة عن استنفاذ هذه العقوبات في ظرف سنة.
المطلب الأول : إرتكاب الأجير لخطأ غير جسيم
يكتسي تمييز الأخطاء الجسيمة عن الأخطاء غير الجسيمة أهمية قصوى بالنسبة للحياة المهنية للأجير، لأن ارتكاب هذا الأخير لخطأ غير جسيم، قد لا يؤدي به إلى عقوبة الفصل إلا من منطلق التكرار المتتالي لهذا الخطأ، والذي يطبق المشغل بشأنه عقوبات تخضع لمبدأ التدرج، بحيث يؤدي استنفاذ هذه العقوبات داخل السنة إلى فصل مبرر للأجير.
ولم يعرف المشرع المغربي الخطأ غير الجسيم، وإنما اكتفى بتحديد آثاره على مستوى العقوبة الواجبة التطبيق على الأجير المرتكب لذلك الخطأ، ومن تم فإن وجود الخطأ غير الجسيم المبيح لتأديب الأجير مسألة تندرج ضمن السلطة التقديرية لمحاكم الموضوع في إطار رقابته على المقررات التأديبية المتخذة من طرف المشغل.
ويقصد بالخطأ غير الجسيم، ذلك الفعل الذي ارتكبه الأجير ويكون من شأنه الإخلال بنظام المؤسسة وحسن سير العمل بها أو إعاقة أغراضها، أو مخالفة أوامر صاحب المؤسسة، مما يؤدي إلى تحريك السلطة التأديبية للمشغل التي تمكنه من اختيار العقوبة المراد توقيعها على الأجير من بين العقوبات التي حددها المشرع.
- فما هي هذه العقوبات ؟
- وهل مسطرة الاستماع واجبة قبل اتخاذها ؟
للإجابة عن ذلك سنتطرق إلى العقوبات المقررة للخطأ غير الجسيم في الفقرة الأولى، ثم نتناول عقوبة الفصل المبرر الناتج عن توالي هذه العقوبات في الفقرة الثانية.
الفقرة الأولى : العقوبات المقررة للخطأ غير الجسيم
أوردت مدونة الشغل العديد من المستجدات على مستوى العقوبات التأديبية أهمها إلغاء العقوبات المالية، وما يبرر إلغائها كونها تمس الأجر باعتباره المورد الأساسي لعيش الأجير وأسرته، بالإضافة إلى أثره المباشر على القوة الشرائية لأكبر شريحة في المجتمع.
وأصبحت العقوبات التأديبية التي يمكن توقيعها على الأجير لا تخرج عن كونها إما عقوبات معنوية متمثلة في عقوبة الإنذار والتوبيخ الذي ألزم فيه المشرع بسلوك مسطرة الاستماع إلى الأجير عندما يتعلق الأمر بتوجيهه للمرة الثانية والثالثة، أو عقوبات مهنية أو مادية، تتعلق بالتوقيف عن الشغل لمدة لا تزيد عن ثمانية أيام، وعقوبة النقل إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى عند الاقتضاء مع مراعاة مكان سكنى الأجير.
أولا: العقوبات التأديبية المعنوية
يقصد بالعقوبات التأديبية المعنوية، تلك العقوبات التي لا تأثير فيها على الناحية المادية للأجير، ولكن قد يكون لها تأثير على حياته المهنية أو وضعه داخل المقاولة المشغلة، حيث تتأخر عنه الترقية رغم استحقاقها أو المنع من تقلد مناصب المسؤولية وغيرها من الحالات.
وأوردت مدونة الشغل العقوبات التأديبية المعنوية في المادة 37 أنه: " يمكن للمشغل اتخاذ إحدى العقوبات التأديبية التالية في حق الأجير لارتكابه خطأ غير جسيم :
- الإنذار.
- التوبيخ.
- التوبيخ الثاني : أو التوفيق عن الشغل مدة لا تتعدى ثمانية أيام.
- التوبيخ الثالث: أو النقل إلى مصلحة، أو مؤسسة أخرى عند الاقتضاء، مع مراعاة سكنى الأجير، تطبق على العقوبتين الواردتين في الفقرتين من هذه المادة ىمقتضيات المادة 62 أدناه ".
1. الإنذار :
يعتبر الإنذار أخف العقوبات التأديبية التي يمكن للمشغل إيقاعها على الأجير المرتكب لخطأ غير جسيم، وهو إجراء تأديبي يقصد منه تنبيه الأجير إلى المخالفة التي ارتكبها وتهديده باتخاذ عقوبة أشد في حالة تكرار نفس المخالفة، ويعتبر مظهرا للرابطة العقدية، ويطرح الإنذار كعقوبة إشكالية تتمحور حول طريقة أو كيفية توجيهه، هل يتعين توجيهه بشكل كتابي أم شفوي ؟
لم تبين مدونة الشغل كيفية توجيهه الإنذار لكن أحد الباحثين، يرى بأن الإنذار ينبغي أن يكون كتابة انطلاقا من نص المادة 63 من مدونة الشغل، التي تقضي بتسليم مقر العقوبات التأديبية الواردة في المادة 37 من مدونة الشغل، إلى الأجير بيد مقابل وصل، أو بواسطة رسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل، داخل 48 ساعة من اتخاذ القرار التأديبي، ومن ضمن العقوبات التأديبية نجد الإنذار، وبالتالي فمختلف هذه الإجراءات لا يمكن التقيد بها، إلا إذا كان مقرر عقوبة الإنذار مكتوبا.
وباستقراء المادة 37 من مدونة الشغل يتضح أن المشرع، لم يوجب على المشغل سلوك مسطرة الاستماع للأجير عند اتخاذه لعقوبة الإنذار في حق هذا الأجير، وإنما استثناها إلى جانب عقوبة التوبيخ الأول، بصريح الفقرة الأخيرة من المادة 37 من مدونة الشغل والتي جاء فيها : " تطبق على العقوبتين الواردتين في الفقرتين 3 و 4 من هذه المادة مقتضيات المادة 62 أدناه ".
2 . التوبيخ :
يعتبر التوبيخ من العقوبات التأديبية الواردة في المادة 37 من مدونة الشغل، وهو أشد من عقوبة الإنذار، ويوقعه المشغل على الأجير المرتكب للخطأ الثاني أو الثالث أو الرابع، ويعتبر مظهرا بارزا لرابطة التبعية التي تربط الأجير بالمشغل، التي تمنح للمشغل حق الرقابة والإشراف على الأجير فيما يتعلق بأداء عمله، ويهدف التوبيخ إلى تحذير الأجير من اقتراف نفس المخالفة، حيث تفصح بموجبه المقاولة المشغلة عن عدم رضاها على سلوك الأجير أو فعله.
والملاحظ أن المشرع لم يشترط صدور التوبيخ في شكل كتابي عند توجيهه للأجير، وإنما اكتفى بتبيان درجات التوبيخ، حيث نص على التوبيخ في الفقرة الثانية من المادة 37 من مدونة الشغل، ولم يلزم فيها المشغل بسلوك مسطرة الاستماع إلى الأجير، عند عزمه اتخاذ التوبيخ كمقرر تأديبي في حق هذا الأجير، غير أنه نص على التوبيخ الثاني في الفقرة مع إمكانية الاختيار بينه وبين التوقيف عن الشغل لمدة لا تتعدى ثمانية أيام، وأوجب الثالثة على المشغل في هذه الحالة سلوك مسطرة الاستماع للأجير.
وأشار المشرع إلى التوبيخ الثالث في الفقرة الرابعة إلى جانب خيار عقوبة النقل من مصلحة أو مؤسسة لأخرى، وألزم المشغل بسلوك مسطرة الاستماع إلى الأجير تطبيقا المقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 37 من مدونة الشغل.
وبالرغم من أن هذه العقوبات التأديبية هي معنوية فقط، فإن المشرع باستثنائه العقوبتي الإنذار والتوبيخ الأول من مسطرة الاستماع إلى الأجير، يحرم هذا الأخير من ضمانة مهمة تتيح له فرصة الدفاع عن نفسه اتجاه مبررات وادعاءات مشغلة، وخطورتها تتجلى في أنها تعطي الفرصة لهذا الأخير في إعمالها بالتدريج في ظرف سنة واحدة مما يؤدي إلى الفصل المبرر الوارد في المادة 38 من مدونة الشغل، وبالتالي كان على المشرع تعميم مسطرة الاستماع إلى الأجير على جميع العقوبات التأديبية بدون استثناء لتكريس حماية أفضل للأجراء والحد من تعسف المشغل في إعمال سلطته التأديبية.
ثانيا : العقوبات التأديبية المادية
قد يعود الأجير إلى ارتكاب نفس الخطأ أو خطأ آخر ناتج عن مخالفة السلطة التنظيمية للمشغل، ففي هذه الحالة لا يمكن الاقتصار على العقوبات المعنوية فقط، لأن في ذلك شل لسلطة المشغل، وإنما يخول لهذا الأخير اتخاذ عقوبات أشد، تنتقل من درجة العقوبة المعنوية إلى عقوبة تصيبه في صفته المهنية أو عمله، والعقوبات التي أشار إليها المشرع في هذا الصدد تقتصر على التوقيف عن الشغل لمدة لا تتجاوز ثمانية أيام، أو النقل إلى مصلحة، أو مؤسسة أخرى مع ضرورة مراعاة سكنى الأجير، وهو ما سنتناوله كالتالي :
1. التوقيف المؤقت عن العمل
يراد بالتوقيف عن العمل، كعقوبة تأديبية، منع الأجير من ممارسة شغله لمدة معينة مع حرمانه من الأجر خلالها.
والملاحظ بالنسبة لهذا الإجراء التأديبي أن مدته تنحصر في ثمانية أيام فقط، وفي ذلك دليل على الحد من السلطة التأديبية للمشغل، حتى لا يعمد إلى وقف الأجير عن العمل بصفة تضر بحالته الاقتصادية إلى درجة الإحساس بالبطالة، خصوصا إذا علمنا أن توقف عقد الشغل لا يعني إنهاؤه، وبالتالي فإنه لا يسمح للأجير بالعمل خلال هذه الفترة التأديبية.
والملاحظ أن مدونة الشغل لم تلتزم في المادة 37 بترتيب العقوبات المهنية، عكس ما قام به المشرع في الفصل السادس من النظام النموذجي، الذي أعطى للمشغل حق توقيع عقوبة النقل قبل اللجوء إلى الطرد المؤقت، لأنه يحرم الأجير من أجره، لذلك فمن أجل التخفيف من حدة آثار هذه العقوبة لجأت المدونة إلى أسلوب الاختيار، حيث يجوز للمشغل أن يختار بين أمرين هما، التوبيخ الثاني أو التوقيف لمدة لا : تتجاوز ثمانية أيام.
كما تجدر الإشارة إلى أن التوقيف المؤقت عن الشغل كعوبة تأديبية تختلف عن التوقيف الاحتياطي عن العمل، الذي يلجأ إليه المشغل عادة إما لانتظار اجتماع المجلس التأديبي أو حتى يصدر الحكم القضائي في حق الأجير المتابع جنائيا، ومناط هذا التمييز يعود إلى آثار كل نوع من أنواع التوقيف على حدة، ذلك أن التوقيف المؤقت يؤدي إلى حرمان الأجير من الأجر، أما التوقيف الاحتياطي، فيستحق فيه الأجير أجره كاملا عن مدة التوقيف إذا تمت تبرئته مما أوقف من أجله.
ونظر للآثار الوخيمة على الأجير الناتجة عن مقرر التوقيف المؤقت عن الشغل، كعقوبة تأديبية، فإن المشرع تدخل في إطار المادة 37 من مدونة الشغل وألزم المشغل بضرورة سلوك مسطرة الاستماع للأجير قبل اتخاذ قرار توقيفه عن الشغل لمدة لا تزيد عن ثمانية أيام.
2. النقل إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى
يعتبر النقل من مصلحة إلى أخرى أو من مؤسسة إلى أخرى، عقوبة تأديبية تدخل في الرتبة الرابعة، وهي ترمي نقل الأجير وتغيير مكان عمله من قسم إلى آخر أو من مؤسسة إلى أخرى وتدخل هذه العقوبة ضمن السلطة التأديبية للمشغل، التي تجد أساسها في إخلال الأجير بالتزاماته أو مخالفته لأوامر رؤسائه، إلا أن هذه السلطة يجب أن تكون في حدود القانون وأن لا تخل بالحقوق الأساسية للأجير
إن النقل المقرر من طرف المشغل بسبب أفعال يعتبرها أخطاء، يعتبر عقوبة تأديبية، إلا أن الذي يؤخذ على هذا الإجراء صعوبة التمييز بين ما إذا كان الأمر قد اتخذ في إطار السلطة الإدارية أم في إطار السلطة التأديبية ، وبالتالي يمكن القول بأن العقوبة التأديبية المتعلقة بتغيير مكان العمل قد تثير بعض الصعوبات العملية، لهذا أحاطها المشرع بمجموعة من الضمانات نص عليها في المادة 62 من مدونة الشغل، والمتعلقة أساسا بضرورة سلوك المشغل المسطرة الاستماع إلى الأجير " حتى يتمكن هذا الأخير من ممارسة حقه في الدفاع عن نفسه والرد على إدعاءات المشغل.
الفقرة الثانية : عقوبة الفصل المبرر
لم يعرف المشرع المغربي الفصل عن العمل، غير أنه يمكن القول بأنه " القرار الذي يتخذه المشغل في حق الأجير والذي بمقتضاه يضع كل حد للعلاقة الرابطة بينهما وتنتهي تبعا لذلك كل الآثار التي تترتب عليها، كما يعتبر كذلك " إنهاء الشغل بدون إخطار ولا تعويض عن الفصل أو الضرر من طرف المشغل، وهو أشد عقوبة توقع على الأجير، لأنها تؤدي إلى قطع رزقه واضطراره إلى البحث من جديد عن عمل ملائم.
يحرم ويعتبر الفصل عن الشغل أخر عقوبة تأديبية، كما يعتبر الإجراء الأشد خطورة لأنه الأجير من عمله بسبب ارتكابه لخطأ جسيم أو سبب تماديه في ارتكاب أخطاء غير جسيمة رغم إنذاره وتوبيخه، بل ورغم اتخاذ عقوبة التوقيف المؤقت عن العمل، والنقل من مكان إلى آخر، من شغل إلى آخر بحيث استنفذت كل هذه العقوبات في حقه داخل السنة، حيث يكون للمؤسسة المشغلة أن تفصله نهائيا من عمله وبدون أي تعويض لأن فصله في هذه الحالة يكون فصلا مبررا.
وورد في المادة 38 من مدونة الشغل أنه : " يتبع المشغل بشأن العقوبات التأديبية مبدأ التدرج في العقوبة، ويمكن له بعد استنفاذ هذه العقوبات داخل السنة أن يقوم بفصل الأجير ويعتبر الفصل في هذه الحالة فصلا مبررا "
ويتضح من المادة أعلاه أن المشرع، منح للمشغل إمكانية فصل الأجير بعد استنفاذ العقوبات التأديبية الواردة في المادة 37 من مدونة الشغل في حقه، وارتكابه للخطأ الخامس داخل السنة هو الذي بإمكانه أن يؤدي إلى الفصل ويكون في هذه الحالة مبررا.
كما جاء في المادة 35 من مدونة الشغل أنه : " يمنع فصل الأجير دون مبرر مقبول إلا إذا كان المبرر مرتبطا بكفاءته أو بسلوكه في نطاق الفقرة الأخيرة من المادة 37 و المادة 39 أدناه، أو تحتمه ضرورة سير المقاولة في نطاق المادتين 66 و 67 أدناه "
أولا : تمييز الفصل المبرر عن الفصل التعسفي
منح المشرع المغربي للمشغل سلطة الإدارة والتأديب، لكي يستطيع هذا الأخير تطبيق القانون الداخلي للمؤسسة، ويساعده على تنفيذ أوامره الموجهة للأجراء، ويمكن للمشغل إصدار بعض العقوبات التأديبية في حالة ارتكاب أحد الأجراء لخطأ من شأنه عرقلة سير المقاولة، والتي قد تصل حد الفصل عن الشغل بصفة نهائية وهي أخطر عقوبة قد يتخذها المشغل في حق الأجير ، وتؤدي إلى إنهاء عقد الشغل.
ومتى كان إنهاء علاقة الشغل غير مشروع وصف بكونه تعسفيا، ومن تم جاءت عبارة الفصل التعسفي، ومصدر هذا الوصف هو إدخال نظرية التعسف في استعمال الحق في إنهاء علاقة الشغل بعدما كانت مقتصرة على المجال المدني، فالقضاء حاليا أصبح يعتبر الإنهاء تعسفيا متى كانت الظروف التي وقع فيها الفصل تدل على سوء نية من طرف المشغل، أو إصراره على الإضرار بمصلحة الأجير.
وبتحديد المشرع المغربي الأمثلة للخطأ الجسيم في نصوص المدونة، وأحيانا العقوبات المقررة للأخطاء غير الجسيمة فقط، جعل الفصل الناتج عن ذلك، يعتبر تعسفيا في حالة مخالفة المشغل لهذه النصوص، فالتغيب مثلا لمدة يومين دون مبرر لا يعتبر خطأ جسميا يخول المشغل الحق في فصل الأجير.
ويعزى الاختلاف حول المبرر الموجب للفصل، إلى عدم وجود نصوص قانونية أو معيار دقيق يحدد معنى الفصل التعسفي، بالإضافة إلى ورود أمثلة فقط للخطأ الجسيم، ويبقى للقضاء تقدير وتحديد ظروف هذا الخطأ وما إذا كان يكتسي طابع الخطأ المخول للفصل أم لا، والتدقيق في سبب الفصل الحقيقي لا المزعوم، وينظر في كل حالة على حدة ليبين ما إذا كان السبب مشروعا فيعتبر الفصل مبررا، وما إذا كان غير مشروع اعتبر الفصل تعسفيا.
ثانيا : شروط الفصل المبرر
أورد المشرع الفصل المبرر في المادة 38 من مدونة الشغل، وأوجب قبل اتخاذه إتباع التدرج في العقوبة، واستنفاذ العقوبات الواردة في المادة 37 من المدونة داخل أجل السنة الواحدة، وارتكاب الخطأ الخامس هو الموجب هذا الفصل، بالإضافة إلى احترام وحدة العقوبة عن المخالفة الواحدة.
1. احترام وحدة العقوبة عن المخالفة الواحدة
تخضع العقوبة التأديبية لقاعدة وحدة العقوبة عن المخالفة الواحدة، والمشرع المغربي كان واضحا وصريحا انطلاقا من الفقرة الأولى من المادة 37 من مدونة الشغل في منع المشغل، أو من ينوب عنه في تأديب الأجير المخالف، من توقيع أكثر من عقوبة تأديبية في حق الأجير المرتكب لخطأ غير جسيم، بمعنى عدم الجمع بين عقوبتين تأديبيتين عن الخطأ التأديبي الواحد، فلا يمكن الجمع بين عقوبتي الإنذار والتوبيخ أو عقوبتي التوبيخ والوقف المؤقت عن العمل، فهذا التعدد في العقوبة لا يجوز إلا إذا تعددت المخالفات التأديبية.
ونظرا لأن التوقيف الاحتياطي ليس عقوبة تأديبية، فإنه يجوز أن يعقبه جزءا تأديبي كالفصل، ولا يخل ذلك بمبدأ وحدة العقوبة، كما لا يحول هذا المبدأ دون أن تؤخذ في الاعتبار المخالفة الأولى لتشديد العقوبة في المخالفات التالية حيث ليس هناك ما يمنع من اعتبار القرارات التأديبية السابقة، سوابق في ملف الأجير المدني بالأمر، ومن شأنها أن تؤخذ بعين الاعتبار عند اتخاذ الإجراءات التأديبية الجديدة في حالة ارتكاب الأجير مخالفات أخرى.
2. إتباع التدرج في العقوبات التأديبية
إن احترام مبدأ التدرج في ترتيب العقوبات وتوقيعها، ضمانة أساسية بالنسبة للأجراء خصوصا أولئك الذين تكثر أخطاؤهم ليتخذوا جميع الاحتياطات اللازمة لتقويم سلوكهم بمجرد تلقي الجزاء على المخالفة الأولى أو الثانية، كما فيه أيضا ضمانة للمشغل الذي يضفي، باحترامه لمبدأ التدرج، طابع المشروعية المفترض لقراراته التأديبية.
ويجب على المشغل أن يبدأ حالة ارتكاب الأجير للمخالفة الأولى بإنذاره، وفي الثانية بتوبيخه، وفي الثالثة بتوبيخة ثانية أو توقيفه عن العمل لمدة لا يمكن أن تتعدى ثمانية أيام، وفي الرابعة بتوبيخه للمرة الثالثة أو نقله إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى عند الاقتضاء معمراعاة سكنى الأجير الذي يجب أن يبقى قريبا من مقر العمل.
وتطبيقا للمادة 38 من مدونة الشغل، التي ألزمت المشغل باحترام مبدأ التدرج في العقوبات التأديبية التي توقع على الأجير، إذا تعددت الأخطاء غير الجسيمة وارتبطت في فترات مختلفة، فإنه يمكن للمشغل بعد استنفاذ العقوبات التأديبية داخل أجل السنة اللجوء إلى أخطر عقوبة تأديبية وهي عقوبة الفصل، وقد اعتبرت هذه المادة عقوبة الفصل في هذه الحالة مبررة.
فى النهاية آخر نقطة أنت من ستضيفها فى التعليقات، شاركنا رأيك.
تعليقات
إرسال تعليق