القائمة الرئيسية

الصفحات

ما حكم الوصية في الميراث؟ تعريف الوصية وشروط صحتها وأصل ثبوتها

 

تعريف الوصية وشروط صحتها وحكم الوصية في الميراث؟

ما حكم الوصية في الميراث؟ تعريف الوصية وشروط صحتها وأصل ثبوتها



تعتبر الوصية في الميراث أو الوصية بصفة عامة بمثابة قربة يتقرب به الإنسان إلى الله عز وجل في آخر حياته، وهي من صميم الدين، ومن الأمور التي شرعها الله سبحانه، لتمكين كل فرد من تحصيل الخير في الدنيا، ويتدارك بها ما كان قد فاته فى حياته من اعمال البر والصلة التي تكون ذخراً له في آخرته؛ خصوصاً وأن الإنسان مغرور بأمله مقصر في عمله.



والوصية، إلى هذا، وسيلة من الوسائل التي تبث العطف والشفقة بين أعضاء الأسر، وتبعث على الذكرى الحسنة للموصي، وهي في نفس الوقت تعمل على تفتيت الثروة إذا كانت الثروة مكدسة، فهي عامل مساعد للميراث في توزيع الثروة والمال، فإذا كان هناك إنسان لا يرث شرعاً وكان قد أسدى إلى الموصي عملاً صالحاً، أو ليقضي حاجة من يكون في حاجة إلى العون من أقاربه غير الوارثين، فإنه يستطيع مكافأته، ومساعدته، والوفاء إليه عن طريق الوصية. وهي غالباً ما تكون لغير الوارثين، كما أنها تعود بالخير العميم على المجتمع، فقد تكون وصية لعمل خيري، أو بناء مسجد، أو تشييد ،مدرسة أو مصحة أو غيرها من أ أعمال البر والإحسان.



ولا شك أن الوصية سبب من أسباب الملكية عن طريق الخلافة، لأنه لما كان الإنسان حين يموت تنقطع صلته بأمواله بمجرد موته، ويتعلق بها حق الغير وهم الوارثون، كان مقتضى هذا ألا تصح وصايا الإنسان لأنها تصرف في التركة بعد الموت، ولكن لما كان في الوصية تلك المزايا الحسنة، أجازها الشارع بالأدلة الشرعية قولاً وعملاً، وجعلها سبباً من أسباب الملكية، وهذه الأسباب تنقسم إلى ثلاثة أقسام :



  1. أسباب منشئة للملكية، بعد أن لم تكن على الشيء ملكية قط، وهي إحراز المباح، والصيد والاستيلاء على المعادن والكنوز، وغير ذلك مما يعد إنشاء الملكية على الشيء لم تكن ثابتة.
  2. أسباب نقالة للملكية، من حيز إلى حيز وهي العقود الناقلة للملكية، أو بعبارة أعم التصرفات الناقلة للملكية، كالبيع وغيره.
  3. أسباب للملكية بالخلافة عن المالك، وهذا النوع هو الذي تؤول الملكية فيه إلى شخص له صلة بالمالك الميت.



وهذه الخلافة قد تثبت بحكم الشرع، وهذا في المواريث فإن خلافة الوارث للموروث فيما له من حقوق تثبت بحكم الشرع ، لا بإرادة الموروث، بل من غير إرادة الوارث، ولذلك قالوا إنه لا يدخل في ملك الإنسان جبراً عنه، سوى الميراث، فإنه يدخل في ملكه من غير إرادته.



ولاشك أنه من الأفضل أن ينظم الإنسان وصيته حسب الأصول والقواعد المقررة في الشرع، كي يكون مطمئناً إلى أن رغبته ستنفذ دون أي عائق.



علماً بأن أغلبية الناس يهملون تنظيم وصاياهم، ويؤجلونها، ثم يتناسونها ويعود السبب إلى عدم الوعي، الذي يؤدي إلى الإهمال، مع أن الوصية من صميم الدين كما أسلفنا.


ماهو تعريف الوصية ؟

وماهو حكم الوصية في الميراث ؟

وماهي شروط صحة الوصية وأصل ثبوتها ؟



جاء في المادة 277 من مدونة الأسرة " الوصية عقد يوجب حقاً في ثلث عاقده يلزم بعد موته ".


الشرح :


حافظت هذه المادة على نص الفصل 173 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، وعليه :



تعريف الوصية :


الوصية في اللغة : الوصية، والتوصية والإيصاء في اللغة العربية بمعنى واحد جاء في المصباح : وصيت إلى فلان، وأوصيت له بمال جعلته له والاسم الوصاية بالكسر، وجاء في القاموس : أوصاه و وصاه، يقال : أوصيت إلى فلان بمال جعلته ،له وأوصيته بولده استعطفته عليه، وأوصيته بالصلاة أمرته بها.



وتطلق الوصية أحياناً على نفس الشيء الموصي به، ومنه قوله تعالى : "ومن بعد وصية توصون بها أو دين".

ومن ورودها بمعنى الإيصاء قوله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم".


معنى الوصية في الشرع :



وأما معنى الوصية في اصطلاح الفقهاء فقد اختلفوا في مقام تحديدهم لها، وبيان معناها بعبارات واصطلاحات مختلفة.

عرفها الحنفية بأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع، سواء كان عينا أو منفعة.

وعرفها الشافعية، بأنها تبرع بحق مضاف - ولو تقديراً - إلى ما بعد الموت وهو تعريف قريب من تعريف الحنفية.



وعرفها الحنابلة، بأنها التبرع بالمال بعد الموت. أو بالأمر بالتصرف بعد الموت. كأن يوصي ا شخصاً بأن يقوم على أولاده الصغار، أو يزوج بناته، أو يفرق ثلث ماله أو نحو ذلك. وهذا تعريف بالوصية بمعنى الإيصاء، أي إقامة وصي وأما تعريفها بمعنى إعطاء الغير جزءاً من المال فهو أن يقال : الوصية تبرع بالمال بعد الموت.



وعرف الوصية بعض فقهاء الإمامية بأنها تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة.

وأما المالكية فقد عرف الوصية ابن عرفة بقوله : «الوصية عقد يوجب حقاً  في ثلث عاقده يلزم بموته، أو نيابة عنه بعده، وعرفها ابن رشد بقوله : «الوصية بالجملة هي هبة الرجل ماله لشخص أو لأشخاص بعد موته، سواء صرح بلفظ الوصية أو لم يصرح به.



وعرف الوصية كل من القانون السوري والمصري، بأنها : تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت مخالفين في ذلك تعريفات الفقهاء المختلفين لها.



نرى أن مدونة ألأسرة المغربية عرفت الوصية بتعريف ابن عرفة من فقهاء المالكية، وهو (عقد يوجب حقاً في ثلث عاقده يلزم بموته). ولأن الشق الثاني منه وهو نيابة عنه بعده معناه الايصاء بالنيابة عن الميت في شؤون أولاده.



والمدونة في تعريفها للوصية فى هذه المادة، أخذت باصطلاح القراض، أي بمفهوم الوصية عند الفراض لا بمفهومها عند الفقهاء، لأن الوصية عند الفراض كما أوضح ذلك ابن عرفة خاصة بما يوجب الحق فى الثلث يلزم بعد موت الموصي، بينما عند الفقهاء اعم من ذلك، فهى تقتضي الحق في الثلت.



كما تشمل النيابة عن الموصي بعد الوفاة في تنفيذ ما أوصى به وتعريف ابن عرفة للوصية بالمعنى العام الذي يشمل الوصية والإيصاء. فقد ضمنته في الكتاب الرابع كما سبقت الإشارة إلى ذلك.



وقول التعريف : " عقد يوجب حقاً " أخرج به ما يوجب حقاً في رأس ماله مما عقده على نفسه في صحته أو مرضه من الحقوق لمن لم يتهم عليه، لا يسمى وصية..



وبمجموعة من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت أن الشارع جعل الخلافة الاختيارية له، وتولاها بالتنظيم، والتوزيع العادل وترك للشخص التصرف بعد وفاته في الثلث فقط، تداركاً لما قد فاته من واجبات كما قلنا. أما الثلثان فأمرهما إلى الشارع الحكيم وقد قال تعالى بعد أن أعطى كل ذي حق حقه : " يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم ".



الوصية بالثلث هي المشروعة، وهي التي دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديثين، وعلى هذا أجمع أئمة الشريعة والأمة ممن يعتد بقولهم أو يعمل برأيهم. ولكن لم يخل الأمر أقوال شاذة ذهبت إلى غير هذا من ذلك أن بعض فقهاء الإباضية أجازوا الوصية بالنصف، وبعضهم أجازها بأكثر من النصف.



وهذا الرأي مردود بما روي عن ابن عباس أنه قال : لو أن الناس قد غضوا من الثلث إلى الربع، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الثلث والثلث كثير" (معنى عضوا نقصوا). وروي عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما : أن الأفضل هو الوصية بالخمس.



وأيا ما كان فإن الإضرار بالورثة لا يجوز، لقوله تعالى : " ومن بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار ".

وقول النبي صلى الله عليه وسلم : "الإضرار في الوصية من الكبائر". ولا شك أن الوصية بالنصف فيها إضرار بالورثة. وروى جماعة من الأئمة الاجماع على بطلان وصية الضرار. فمن أوصى بماله كله أو ببعضه - ولو دون الثلث - إضراراً بالورثة كلهم أو بعضهم كانت وصيته باطلة، ولو كانت في الظاهر مصروفة في القربى.



ولقد نقل صاحب فتح الباري عن المهلب حيث قال : "إن للإمام أن يرد الهبة والوصية ممن يعرف منه هروباً عن بعض الورثة". والامام هو ولي الأمر وقصد المضارة يعرف بأي دليل من الأدلة ولو، القرائن وإذا تعذر معرفة قصد الموصي نظر إلى ما عمل هل فيه ضرر بورثته أو لا، فإن قام دليل ظاهر على أن فيه ضرراً كان عملاً باطلاً، بصرف النظر إلى نيته وقصده.



وعلى هذا : إذا أوصى إنسان لأجنبي بأكثر من الثلث فهل تصح وصيته وهل تنفذ، وعلى ماذا يتوقف نفاذها ؟



ذهب أهل الظاهر والمزني من الشافعية، وابن الحكم من المالكية، وعبد الله بن شبرمة، والأوزاعي : إلى أنها ،باطلة، سواء كان للموصي ورثة أم لا، وهي رواية عن أحمد وعن مالك رضي الله عنهما.



وذهب ابن مسعود والحسن البصري، واسحق بن راهويه، وربيعة الرأي وحماد بن أبي سلمان، وابن أبي ليلى وعبد الملك بن يعلى : إلى نفاذها - حين لا يكون للموصي ورثة - وعدم نفاذها إذا كان له ،ورثة محافظة على حقوقهم، ويلزم ذلك أن تنفذ عندئذ بإجازتهم، لتنازلهم عن حقهم ولهم ذلك.



وعلى هذا ذهب الحنفية وجمهور ،المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية، والشيعة الإمامية : إلى أن الوصية بما زاد على الثلث ليست باطلة، ولكنها صحيحة متوقف نفاذها على إجازة الورثة إن كانوا، فإن لم يكن للموصي ورثة نفذت بدون توقف على إجازة أحد.



وعليه، إذا أوصى شخص ما يزيد على ثلث تركته نفذت وصيته في الثلث وتوقف فيما زاد عليه، وإن أجازها بعضهم، ورفضها الآخرون نفذت فيما يخص المجيز، وبطلت فيما يخص الرافض منهم. أما إذا لم يكن للموصي ورثة فإنها تنفذ فيه،



ويلاحظ أن بعض الفقهاء - كالشافعية - يجعلون بيت المال من الورثة، ويرون أن استحقاقه التركة - إذا ما استحقها - إنما هو بطريق الوراثة، وبناء على ذلك، إذا كان مآل مال الموصي هو بيت المال، لم يكن في الإمكان نفاذ وصيته بما زاد على الثلث، إذ إن ذلك يتوقف على إجازة القيم على بيت المال وهو لا يملك ذلك باعتباره قيماً، أو ناظراً عليه، لأن الإجازة ضارة بمصلحته، فلا تنفذ عليه.



فجمهولا المالكية قد ذهبوا إلى هذا الرأي ،أيضاً، وهو بطلان وصيته إذا كان مآل ماله بيت مال المسلمين ومنهم من يشترط في ذلك أن يكون الإمام عدلاً.



وقد أخذ القانون العراقي والسوري والمصري بهذا الرأي الذي يقول : لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة ولا تنفذ إلا بإجازة الورثة.



وقول التعريف "يلزم بموته" أخرج به من التزم بثلث ماله لشخص، فإنه يلزم من غير موت وتمليك الموصي أثناء حياته لا عبرة له، قبل الموصى له أم لا، وذلك لأن وصيته معناها إيجاب الملك بعد الموت الموصي فلا يعتبر قبول الموصى له أو رده الوصية إلا بعد إيجاب الملك، أي بعد موت الموصي، خصوصاً إذا علمنا أن إيجاب غير ملزم له حال صدوره عنه، بل له حق الرجوع عنه مادام على قيد الحياة وفضلاً عن ذلك فإن الوصية عقد تبرع يحق لصاحبه فيه من باب أولى الرجوع به مادام حياً، فلا يلزم إذن هذا الحق في الثلث إلا بعد وفاة الموصي وموته.



على أن الوصية كالهبة من جهة كونها عقداً من عقود التمليك بغير عوض ولكنها تخالفها، من جهتين :


  1. إن التمليك يستفاد بالهبة حالا، بينما هو لا يستفاد بالوصية إلا بعد وفاة الموصي.
  2. تكون الوصية بالعين والمنفعة وبالدين، بينما لا تكون الهبة إلا بالعين لأن هبة الدين لمن عليه الدين إبراء، وتمليك المنفعة في المال بلا عوض إعارة.


أدلة ثبوت الوصية :



دلت على الوصية أدلة من الكتاب والسنة والاجماع

أما الكتاب : فقوله تعالى : كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف. وقوله تعالى : ومن بعد وصية يوصي بها أو دين. وقوله سبحانه : ومن بعد وصية توصون بها أو دين.


وأما السنة : فقد وردت أحاديث كثيرة في مشروعية الوصية، منها :

  • روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما حق امريء مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده". ومعنى الحديث أن الحزم هو هذا فقد يفاجئه الموت. قال الشافعي : « أما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده، إذا كان له شيء يريد أن يوصي فيه لأنه لا يدري متى تأتيه منيته، فتحول بينه وبين ما يريد من ذلك ».


  • وروى أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال : « إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله . فيضاران في الوصية فتجب لهما النار ثم قرأ أبو هريرة : ومن بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حكيم ستين سنة : ة ثم يحضر هما الموت


  • وروى ابن ماجة عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من مات على وصية، مات على سبيل وسنة ، ومات على تقى وشهادة، ومات مغفوراً له".


وأما الاجماع : فقد اتفق جميع العلماء والفقهاء من المسلمين على جواز الوصية ولم يخالف واحد منهم في مشروعيتها ، أن الوصية عمل مطلوب ومحمود لما فيها من البر بالناس والمساواة لهم.




والاستدلال بالاجماع واضح، إذ أننا نجد الناس في كل عصر ومصر يوصي بعضهم إلى بعض من دون أن يعترض أو ينكر عليهم في ذلك منكر، فيكون هذا إجماعاً منهم على مشروعية الوصية.


حكم الوصية الشرعي :



يراد من لفظة الحكم إذا ما أطلقت ثلاث مدلولات :

  1. نوع التكليف، من حيث كونها مطلوبة الفعل أو الترك.
  2. الوصف الشرعي للعقد من حيث الصحة واللزوم أو عدم اللزوم.
  3. الأثر المترتب على العقد.


أما الحكم بمعنى نوع التكليف من حيث كون الوصية مطلوبة الفعل أو الترك، فقد اختلف العلماء فيه إلى عدة آراء تجمل فيما يلي :

  • الرأي الأول : يرى أن الوصية واجبة على كل من ترك مالاً سواء أكان المال قليلاً أم كثيراً؛ وروي الوجوب عن ابن عمر وطلحة الزبير وعبد الله بن أبي أوفى وطلحة بن مطرف وطاووس،واستبدلوا بقول الله تعالى : "كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقينط.

  • الرأي الثاني : يرى أنها تجب للوالدين والأقربين الذين لا يرثون الميت.


  • الرأي الثالث : الرأي الثالث : وهو رأي الأئمة الأربعة والزيدية، أنها ليست فرضاً على كل من ترك مالاً كما في الرأي الأول.


فالأصل في الوصية، الإباحة كما لو كانت للأغنياء سواء أكان الموصى له قريباً أم بعيداً، وتصبح مندوبة إذا كانت لجهات الخير كالمساجد، وتكون حراماً إذا اتجه بها نحو الشر والمعصية، وتكون مكروهة إذا اتجه بها إلى جهة مريبة كما لو جعلها لأهل الفسق، وتكون واجبة إذا فات الإنسان في حياته بعض الواجبات المالية من زكاة وكفارات وفدية وصيام أو ديون عادية.



أما حكمها من حيث الوصف الشرعي لها، فإنها إذا استوفت أركانها وشرائطها و لم يحدث قبل وفاة الموصي ما يبطلها ، فهو الصحة. وتكون لازمة إن كانت واجبة. أما إن كانت اختارية فإنها تكون صحيحة، غير أنها لا تكون لازمة، بل يكون من حق الموصي الرجوع فيها في أي وقت شاء كما سبق.



وأما حكمها من حيث الأثر المترتب عليها بعد استيفائها كافة الأركان والشروط التي سبق الكلام فيها، فهو ثبوت ملك الموصى له للموصى به بعد موت الموصي مصراً عليه.



شروط صحة عقد الوصية :



جاء في المادة 278 من مدونة الأسرة " يشترط في صحة عقد الوصية خلوه من التناقض والتخليط مع سلامته مما منع شرعاً ".


الشرح :

حافظت هذه المادة كذلك على نص الفصل 174 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة مع استبدال (خلوصه) بـ ( خلوه) وحظر بـ (منع) وعليه :



العقد يوصف العقد بالصحة إذا كان مستوفياً أركانه وشروط صحته؛ فإذا أجرى من هو أهل له، فإن كان أهلاً للتبرع والوصية، واستوفى صحة الإيجاب والقبول، كان العقد صحيحاً، وترتبت عليه أحكامه وآثاره.



واشترط نص المدونة، لصحة عقد الوصية، شرطين أساسيين : خلو العقد من التناقض والتخليط، وأن يكون سليماً عما حرمه الشرع، أي يكون محل العقد حلالاً.



أولا : يجب أن يكون عقد الوصية خلواً من التناقض والتخليط، بحيث إذا قال الموصي : أعطوا فلاناً ثم قال : لا تعطوه أو قال : أوصيت لزيد بدينار أوصيت له بدرهم مثلاً، فهذا تناقض، وإذا تناقض في كلامه، لا يلتفت للوصية، ولا تصح، ولأن التناقض يؤدي إلى البطلان، وبالتالي يكون العقد الذي تضمن تناقضاً وتبايناً في محل الوصية وأقوال الموصي ، يكون هذا العقد غير صحيح.



وكذلك يجب خلو عقد الوصية من التخليط ، والتخليط ألا يكون لكلام الموصي محصول ولا فائدة، وهو أعم من التناقض، أي يجب أن يكون كلام الموصي واضحاً بيناً، وألا يخلط فيه، فإن خلط في كلامه، وتبين أنه لم يعرف ما أوصى به ولا يعرف أوله من آخره لم تصح الوصية، ويكون العقد فاسداً وباطلاً.



ثانيا : يشترط كذلك في عقد الوصية أن يكون سليماً مما يحرمه الشرع، أي لا يجوز للموصي أن يوصي بما يحرم التعاقد عليه شرعاً.



ذلك أن الوصية تقتضي التمليك، وما يملك هو المال، سواء كان مالاً حقيقياً، كالنقود بكافة أنواعها أو مالاً تقديراً كالمنفعة.


لكن يشترط أن يكون هذا المال متقوماً عند الموصي، فلو كان الموصي . مسلماً، لم تصح وصيته بالخمر والخنزير لأنهما ليسا متقوماً في شرعه وهو المقصود من قول المدونة : مع سلامته مما منع شرعاً، أي يجب أن يكون عقد الوصية سليماً مما هو ممنوع شرعاً. ويلاحظ أن هذا الشرط اشتمل على أمرين يفسد العقد بهما :


  1. الوصية التي محضت للمعصية، وهي الوصية بأمر محرم نصاً، كوصية لأندية القمار، أو لمرقص.
  2. وصية ليست في ذاتها معصية، بل هي تمليك مباح، ولكن الباعث عليه أمر محرم كالوصية للخليلة ليضمن أن تستمر معه على الحال المحرم ينهما، وكالوصية لأهل الفسوق والفجور، ليستعينوا بها على فسقهم، فإن هذه الوصية ينظر حينئذ إليها نظران : أحدهما كونها تمليكاً مباحاً لمن هو أهل للتمليك وثانيهما نظرت المدونة إلى الباعث فإن الباعث عصيان وما كانت الوصايا لذلك، وهي مشروعة استثناء للإعانة على الواجبات التي فاتته في ماضي حياته، أو لتكون له صدقة جارية من بعد وفاته.

 

قال ابن القيم : قد تظافرت أدلة الشرع وقواعده على أن القصود في العقود معتبرة، وأنها تؤثر في صحة العقد وفساده ليس بعقد تحليلاً وتحريماً، وحراماً تارة أخرى باختلاف النية والقصد، كما يصير صحيحاً تارة، وفاسداً تارة أخرى باختلافها، ولذلك لو أكل طعاماً حراماً يظنه حلالاً لم يأثم به.



ويقول أيضا فيمن قصد بعقد غير معناه المتفق مع غرض الشارع : «إن قصبه ما لا يجوز قصده، كالتكلم بنكحت وتزوجت لا يقصد عشرة زوجية غير مؤقتة، بل يقصد تحليلها لمطلقها الثلاث، وبعث واشتريت بقصد الربا وما أشبه ذلك، فهذا لا يحصل له مقصوده تنفيذاً للمحرم، وإعانة على معصية الله، وإعانته على ذلك إعانة على الإثم والعدوان، ولا فرق بين إعانته على ذلك بالطرق التي وضعت مفضية إلى غيره، واتخذها هو ذريعة كمن يعقد عقد شراء ليكون ذريعة للربا.



وهذا كلام صريح في أن العقد يأخذ حكم باعثه ، فإن استيقن القاضي بأن الباعث إثم أو يؤدي لا محالة إلى شر، أن، حكم ببطلانه، وإذا ثبت لدى القاضي الباعث علي الوصية يتنافى مع مقاصد الشريعة وظهر أن عقد الوصية غير سليم مما حظر شرعاً، وقامت على ذلك القرائن، فإنه يحكم بأن العقد غير صحيح، ولا أثر يترتب عليه.



والحاصل أن مدونة الأسرة اشترطت أن يأتي عقد الوصية خالياً من التناقض والتخليط، وليس فيه ما يخالف الشرع، وإلا كان العقد باطلاً.



كما أن القانون المصري والسوري اشترط كل منهما ألا تكون الوصية بمعصية، وأن لا يكون الباعث عليها منافياً لمقاصد الشرع.

تعليقات

التنقل السريع